الأربعاء، 16 يوليو 2014

شهر للجهاد بالقرآن


شهر للجهاد بالقرآن


أ.د. جعفر شيـخ إدريـس 

رمضان الكريم هو الشهر الذي أنزل الله - تعالى - فيه كتابه الحكيم؛هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان .
والقرآن الكريم هو أساس الجهاد الكبير المستمر ؛ الجهاد بالكلمة ؛ حيث أمر الله - تعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين معه بأن يجاهدوا الكفار بالقرآن الكريم جهاداً كبيراً ؛ أمرهم بذلك وهم مضطهَدون بمكة منهيون عن القتال بالسيف ، مأمورون بأن يكفُّوا أيديهم ويقيموا الصلاة .
أنزل الله - تعالى - على رسوله قوله : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } ( الفرقان : 25 ) ؛ فأمره بأمرين مهمين ؛ علينا أن نتذكرهما ونعمل بهما ولا سيما في هذا الشهر العظيم :
أمره أولاً : بأن لا يطيع الكافرين ؛ لا يطيعهم في أي أمر فيه مخالفة لِما أنزل الله - تعالى - عليه في أمور الإيمان والعبادات والأخلاق والدعوة ومحاولتهم توهين أمره .
وأمره ثانياً : بأن لا يقف عند حدود هذا الموقف السلبي مع عِظَم أهميته ، بل أن يخطو خطوة أخرى : هي جهاد الكفار بالقرآن الكريم جهاداً كبيراً .
والجهاد الكبير كما تقول كتب التفسير : هو الجهاد الجامع لكل مجاهَدة . ونحن ؛ إذ نتحدث في هذا المقال عن الجهاد بالقرآن لا نعني نفي الجهاد بالسيف ؛فقد كانت معركة الإسلام الكبرى في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان في رمضان ، وإنما الذي نريد تأكيده هو أنه : إذا كان الجهاد بالسيف قد ينقطع لبعض الوقت ولبعض الأسباب ؛ فإن الجهاد بالكلمة ؛ كلمة الله - تعالى - جهاد مستمر وقد يكون شاقاً ، لكنه جهاد لا بد منه ؛ كان قبل القتال ويكون أثناءه وبعده .
إنه جهاد لا بد منه ؛ لأنه جهاد لا تعلو كلمة الله - تعالى - إلا به .
أريد في هذا المقال أن أُذكِّر الإخوة الصائمين بأمور تتعلق بالجهاد بالقرآن :
أريد أولاً : أن أدعو من كان منهم قادراً على تدبُّر القرآن الكريم وهو يتلوه في هذا الشهر ، أن ينظر في الآيات الكريمة التي يرى فيها إبطالاً لما يراه جديداً من شبهات الكفار والمنافقين وسائر أهل الزيغ والضلال ، ولما يراه فيها من كشفٍ لدوافعهم الخبيثة ، وبيانٍ لطُرُقهم في نشر باطلهم ، وتحذير للمؤمنين من التأثر بها ؛ أريد لهذا القارئ الكريم أن ينظر في مثل هذه الآيات ، ثم يتسلح بها في مواجهته لأولئك الضالين ، مستعيناً بما كتبه عنها من سبقه من علماء الأمة الفضلاء ، ثم يخوض معركته بالوسائل المهيأة له ؛ فإن كان من أهل الكتابة كتب ، وإن كان من أهل الحديث تحدث ، وإن كان من أصحاب الحوار حاور ، وإن أكرمه الله ؛ فكان من أهل ذلك كله فليجعله كله طريقاً لإعلاء كلمة الله وقمعاً لمن يسعون لإطفاء نور الله ، وليحرص ما أمكنه الحرص على أن ينتشر هذا الحق بكل الوسائل الحديثة المشروعة حتى يطَّلع عليه الناس ؛ فإذا لم يطلع عليه اطلاعاً مباشراً من كان الكلام رداً عليه ، فربما اطلع غيره فبلَّغه إليه .
وأريد ثانياً : أن أُذكِّر من لم يكن مؤهَّلاً لشيء من ذلك أنه ما زالت أمامه أبواب أخرى للجهاد بالقرآن الكريم ؛ من ذلك أن بعض الجماعات والمؤسسات في البلاد الغربية قررت أن تقوم بحملات لتوزيع ترجمات القرآن الكريم ، وهي تطلب المساعدة على ذلك ؛ فإن استطاع أن يساعدها مساعدة مباشرة ، فليفعل ، وإلا فليحُثَّ على مساعدتها من يراه قادراً على ذلك .
وإذا كانت هذه الحملات قد حدثت في البلاد الغربية فربما كانت أمثالها حادثة في غيرها من البلاد ؛ في الصين واليابان والهند وإفريقيا ، وغيرها من أرض الله التي لا يستطيع أهلها الاطلاع المباشر على كتاب الله في لغته العربية التي أنزله الله - تعالى - بها .
هذا عمل جليل ؛ لأن ما يسمى بالمعركة الثقافية ؛ لكسب قلوب الناس ما تزال تزداد احتداماً في عصرنا ؛ فالغرب يستعمل كل ما لديه من وسائل إعلامية ؛ لنشر ثقافته وما يسميه بـ : قِيَمِه ، والمسلمون يتأثرون بهذه الثقافات في معتقداتهم وأفكارهم وأزيائهم وسائر أنواع سلوكهم ، لكن المسلمين أيضاً يؤثِّرون في الغرب وسائر البلاد غير الإسلامية تأثيراً عميقاً مرتكِزاً أساساً على دينهم ، وآية ذلك أن الكثيرين منهم إذا عرفوا الحق لم يأبهوا لما يرونه من دعايات رسمية وغير رسمية ضد الإسلام ، بل آمنوا به كله ؛ فصاروا يُصلُّون ويصومون ويزكُّون ويحجون ؛ فعلى المسلم أن يدخل هذه المعركة إن لم يكن قد دخلها من قَبْل ، وعليه أن يزيد من جهده في شهر الصيام إن كان ممن شرَّفهم الله - تعالى - بدخولها .
إن المسلم الصادق العارف بما يدور في عالمه لا يمكنه أن يقف متفرجاً في هذه المعركة الثقافية التي تدور رحاها بين المسلمين وخصومهم وأعدائهم ؛ لا يمكنه أن يظل متفرجاً وهو يرى أولئك الخصوم لا يكتفون بنشر أباطيلهم ؛ بل يتعدون ذلك إلى تشويه الإسلام تشويهاً نرى آثاره على كثير من الناس في بلادنا وبلادهم .
خذ على سبيل المثال ما قاله صاحب كتاب نُشِر حديثاً بعنوان : ( سوء الفهم القاتل ) ألَّفَه عضو في الكونغرس الأمريكي وقدَّم له ( بان كي مون ) الأمين العام للأمم المتحدة ، يقول مؤلف الكتاب : إنه دخل عالم واشنطن قبل خمسة وعشرين عاماً ( الكتاب صدر في عام 2008م ) باعتباره جمهورياً محافظاً ونصرانياً إنجيلياً ، ويقول : كنت في ذلك الوقت أعتقد أن الإسلام دين عنف ، وأن القرآن يدعو إلى إبادة كل من ليس مسلماً ، وأن القرآن والإسلام أمور شريرة ، وأنها أمور إلحادية ؛ مثلها في ذلك مثل الشيوعية التي كان العمل على هزيمتها هو هدف السياسة الخاريجية الأمريكية .
إن ما يطلبه الكفار الآن من المسلمين هو عكس ما يأمرهم به دينهم ؛ إنهم يطلبون منهم أن لا يدافعوا عن أراضيهم حتى لو غُزوا في عِقر دارهم ، وإلا كانوا إرهابيين مجرمين ، بل صاروا يقرنون بين الجهاد والإرهاب ؛ فيُسمُّون الكثيرين ممن يصفونهم بالإرهابيين جهاديين ، وصاروا يطلبون من المسلمين أن لا يدافعوا عن دينهم أو يردوا على الكافرين به حتى بالكلمة ، وإلا كانوا متطرفين مفرِّقين للناس غير راضين بالتعايش السلمي معهم ، لكن ديننا يعلِّمنا أن هنالك فَرقاً بين أن تسالم أعداء دينك ، وأن تعترف لهم بباطلهم ؛ فالمطلوب من المسلمين أن يعيشوا في سلام مع من كل من يريد أن يعيش معهم في سلام ، لكن المطلوب منهم في الوقت نفسه أن يقوموا بتبليغ رسالة نبيهم ، وأن يبلِّغوها بالتي هي أحسن .
ولا تَضَاد بين هذا وذاك ؛ إذ إن هنالك فَرقاً بين المسالمة والمداهنة .
ثم لنتذكر أن هذا الجهاد بالقرآن الكريم هو نفسه عبادة من أعظم العبادات ، وأنه ربما كان أبلغ في شهر الصيام والقرآن ؛ حين تصفو النفوس - بإذن الله - وتكون أكثر إخلاصاً ، وأشدَّ حباً للحق ، وأكثر كراهية للباطل ، وأقدر على تدبُّر القرآن الكريم ؛ إنه جهاد يبتغي به المؤمن المخلص إعلاء كلمة الله ، ويعمله ابتغاء رضوانه - سبحانه - إن العمل الجهادي لا يذهب هباءً أبداً ، بل إما أن يهتدي به بعض الضالين ؛ فيكون قد زاد من الخير ، ويكون ذلك خيراً له من حُمْر النَّعَم ، وإما أن يكون فيه قمع لأهل الباطل وتقليل من شرهم ، وإما أن يجتمع الأمران كلاهما ؛ فيكون خيراً على خير .
والمؤمن وإن كان يعلم هذا ، لا يُعلِّق عمله على رؤية هذه النتائج ، بل يكِل أمرها إلى الله - تعالى - كما قال الله - سبحانه - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَايَفْعَلُونَ } ( يونس : 46 ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق