الأربعاء، 14 مايو 2014

نماذج للصحابة في علو الهمة

نماذج للصحابة في علو الهمة
الصحابة رضي الله عنهم قد ضربوا لنا أروع الأمثلة في الهمة العالية،
سواء كان في الجهاد في سبيل الله، والتضحية في سبيل هذا الدين،
أو في طلب العلم، وغير ذلك، وكذا سار التابعون على منوالهم،
وإليك بعضًا من النماذج التي تدل على علو همتهم.
علو الهمة في طلب العلم  :    
1- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:

( كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط،
فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال :
يا غلام، هل من لبن؟
قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن،
قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟
فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب،
وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص فقلص،
قال: ثم أتيته بعد هذا،
فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول،
قال: فمسح رأسي،
وقال: يرحمك الله، فإنك غليم معلم )

 وعنه أيضًا قال:
[ والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة،
والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله،
وما أنا بخيرهم ]
قال شقيق:

[ فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك ]




2- أبو هريرة رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:
[ يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد، ويقولون:
ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟
وإنَّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق،
وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينًا،
ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون،  
 وأعي حين ينسون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا:

 ( لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه )
ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا.
فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها،
حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري،
فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا،
والله لولا آيتان في كتاب الله، ما حدَّثتكم شيئًا أبدًا:

 { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى }  
[ البقرة: 159 ]
 إلى قوله :

{ الرَّحِيمُ }
[ البقرة: 160 ]]

وعنه أيضًا قال:
[ إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي 
ولا صفق بالأسواق إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم
كلمة يعلمنيها، وأكلة يطعمنيها،
فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأعلمنا بحديثه ]

 3- جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:
عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول:

( بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا،
حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله ابن أنيس،
فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟
قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته،
 فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه،
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( يحشر الناس يوم القيامة - أو قال: العباد - عراة غرلًا بُهمًا.
قال: قلنا: وما بهما؟
قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد
كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار،
أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حقٌّ، حتى أقصه منه،
ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة،
ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه،
حتى اللطمة قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله عزَّ وجلَّ عراة غرلًا بهما؟

قال: بالحسنات والسيئات )

 4 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال:

[ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار:
هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال:
واعجبًا لك يا ابن عباس ! أترى الناس يفتقرون إليك
وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟
 قال: فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه
يسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول:
 يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟
فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيك،
قال: فأسأله عن الحديث،
فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني،
فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني ]

علو الهمة في الجهاد:
1- أنس بن النضر رضي الله عنه:

عن أنس رضي الله عنه قال:

( غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر،
فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين؛
لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع،
فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال:
اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه –
وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء. يعني المشركين،
ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ،
الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد.
قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع
 قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح،
 أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثَّل به المشركون،
فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه،
قال أنس: كنا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
 { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }
[الأحزاب: 23] إلى آخر الآية )

2- سعد بن خيثمة رضي الله عنهما: 
عن سليمان بن بلال رضي الله عنه : 
[ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة
وأبوه جميعًا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم،
فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما،
فقال خيثمة ابن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما:
إنه لابد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك،
 فقال سعد: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا،
فاستهما، فخرج سهم سعد،
 فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر،
فقتله عمرو بن عبد ودٍّ ... ]
الحديث

3- عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه:
عن سعد رضي الله عنه قال:
[ رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى،
فقلت: ما لك يا أخي؟،
قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني،
وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة.
قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه،
فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره،

 فقتل وهو ابن ست عشرة سنة ]






         ( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )


اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )



و الله الموفق )

عُلُو الهِمَّة ، ونماذج من علو همة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه

عُلُو الهِمَّة

.
بعض أسباب علو الهمة:
1- العلم :
العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه،
ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره،
ويورث صاحبه فقها بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال.
 وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛
ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك.

2- الدعاء:
وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة،
فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية،
والعاجز من عجز عن الدعاء.

3- تذكر اليوم الآخر:
فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة،
يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛
وتدبر قوله عز وجل :

{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }
 وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار،
فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار.

4- طبيعة الإنسان:
من الناس من جبل على علو الهمة، فلا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل،
ولا يلتفت إلى الصغائر.
ولهذا قيل: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوًّا،
كالشعلة في النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعًا .

قال عمر بن عبد العزيز:
[ إنَّ لي نفسًا تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة،
فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة ]

5- أثر الوالدين، ودورهما في التربية الصحيحة:
فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم؛
فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد،
واجتهدا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال،
مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال –
فإن لذلك أثرًا عظيمًا في نفوس الأولاد؛ لأن الأولاد سيشبون – بإذن الله
 متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق،
مبغضين لسفساف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق.

6- النشأة في مجتمع مليء بالقمم:
فمن بواعث الهمة، أن ينشأ الصغير في مجتمع تكثر فيه النماذج المشرقة
من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ والتي تمثل القدوة،
 فهذا مما يحرك همته؛ كي يقتدي بهم، ويسير على طريقهم،
ومن لم يتهيأ له ذلك فليتحول عن البيئة المثبطة، الداعية إلى الكسل
والخمول وإيثار الدون.

7- وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات:
الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة،
والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق،
والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة.

8- مصاحبة أصحاب الهمم ومطالعة سيرهم:
فلا شك أنَّ الصحبة لها تأثير كبير، لذا من أراد تحصيل الهمة العالية
فليصحب أصحاب الهمم العالية، فإنه يستفيد من أفعالهم قبل أقوالهم،
ومن لم يوفق لصحبة هؤلاء فليكثر من مطالعة سيرهم، وقراءة أخبارهم
 فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى علوها.

يقول ابن الجوزي:
[ فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب،
التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم،
وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد،
وما يخلو كتاب من فائدة...
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم،
فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم ]

 إلى أن قال:
[ فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم،
وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع،
 فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ]

9- استشعار المسؤولية:
وذلك بأن يستشعر الإنسان مسؤوليته، ويعمل ما في وسعه ومقدوره،
ويحذر كل الحذر من التهرب من المسؤولية، والإلقاء باللائمة
والتبعة على غيره؛ ذلك أن المسؤولية في الإسلام عامة،
تشمل كل فرد من المسلمين؛ فهم جميعًا داخلون في عموم قوله
صلى الله عليه وسلم:

( كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته ) 
فالمسؤولية مشتركة، كل امرئ بحسبه، هذا بتعليمه وكلامه،
وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله،

وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع وهكذا.


نماذج في علو الهمة
نماذج من علو همة النبي صلى الله عليه وسلم
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة،
في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام،
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب
     كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة،
وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة،
وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها،
ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه
في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج
 إلى الجهاد.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله،
والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا،
ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل )
 فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية
وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة.

 فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
[ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه،
فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله،
وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا ]

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
[ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام،
حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟
قال: هممت أن أجلس وأدعه ]



منقول من ايميلات
مجموعة بيت عطاء الخير البريدية

الأحد، 11 مايو 2014

المرض . دروس وعبر (فوائد المرض)

المرض . دروس وعبر (فوائد المرض)

الدنيا دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا ، قال تعالى : ((تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1} الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ{2} )) تبارك 


((إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ))الكهف


كثيراً من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمَّة 

في الدنيا والأخرى .

فإن الله تعالى لم يخلق شيئاً إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم 

ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدرالصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية اهل النار وما هم فيه من عذاب .

وإليكم يا إخوتي بعض فوائد المرض والبلايا 







أولاً : المرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها

قال تعالى :

( وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم وويعفوا عن كثير ) الشورى 30

فإذا أصيب العبد فلا يقل من اين هذا ولا من أين أتى فما أُصيب إلا بذنبٍ فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) متفق عليه

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال : ( لا بارك الله فيها " أي الحمى " فقال صلى الله عليه وسلم ((لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا ) 

وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) 

وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر)) والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه، 

وعن أنس قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، 

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما من مسلم يصيبه أذىً من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري، 

إخوتي من الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب .

فعن عائشة أن رسول الله طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة))



ثانياً: من فوائد المرض أنه يعقبه لذة وسرور في الآخرة 

فإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة والنعيم لا يدرك بالنعيم وكما قال صلى الله عليه وسلم 
( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )
 


إن الإبتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للإمتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: ((ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون )). 

ومن جملة الإبتلاءات: الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده. 

وإذا نزل بالعبد مرض مرض أو مصيبة فحمد الله واسترجع وصبر إلا أعطاه الله من الأجور ما لا يعلم

قال تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) 

فكل الأعمال قد تجد لها أجراً معيناً إلا الصبر لعظمته فأجره بغير حساب .

والمصائب والآلام ملازمة للبشر ولا بد لهم منها لتحقيق العبودية لله قال تعالى:
 ((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))البقرة155 


قال بعضهم: لولا حوادث الأيام لم يعرف صبر الكرام ولا جزع اللئام،

وجاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات ابن العبد قال الله لملائكته وهو أعلم قبضت ابن 

عبدي قالوا : نعم فيقول وهو أعلم : فماذا قال ؟ فيقولون : حمدك واسترجع فقال : ابنو لعبدي بيتاً 

في الجنة وسموه بيت الحمد )

ويوم القيامة يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن جلودهم وأجسادهم كانت تقرص بالمقاريص لما يرون 

من ثواب أهل البلاد والأمراض عند الله .




ثالثاً: من فوائد المرض أنه يُعرف به صبر العبد على بلواه وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي

فله الرضا ومن سخط فله السخط 
هكذا أيها المسلمون إذا صبر العبد إيماناً وثباتاً كُتب في ديوان الصابرين ويكفي الصابرين شرفاً أنهم في معية وحفظ الملك جل وعلا قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))البقرة153

وإن حمد العبد وشكر كتب في ديوان الشاكرين ويكفي الشاكرين شرفاً أنهم أهل الزيادة قال تعالى : ( ولئن شكرتم لأزيدنكم )

أخرج مسلم عن صهيب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير إت أصابته سراء شكر فكان خيراً لـه وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً لـه وليس ذلك إلا للمؤمن ) 

والصبر المأجور صاحبه هو الذي لا بد أن يتدبر فيه أموراً منها أن يعلم أن المرض مقدر من عند الله 

قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون( 51 ) سورة التوبة وأن يتيقن أن الله أرحم به من نفسه ومن والدته والناس أجمعين، وأن يعلم أن ما أصابه هو عين الحكمة من الله، وأن الله أراد به خيراً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) رواه البخاري، وأن ما أصابه علامة على محبة الله له، وأن يعلم أن الجزع لا يفيده، وإنما يزيد آلامه ويفوت عليه الأجر،

قال علي بن أبي طالب: (إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور)

اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا أذنب استغفر وإذا ابتلي صبر يارب العالمين .



رابعاً: إنّ المرض سبباً للدعاء واللجوء والانكسار بين يدي الله 

قال تعالى : ( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون )

كم من أناس أعرضوا عن اللجوء إلى الله والدعاء والانكسار بين يدي الله جل وعلا .فمرضوا فلجأوا الى الله خاشعين منكسرين 

فأهل التوحيد إذا أصيبوا ببلاء أو مرض صبروا و لجأوا إلى الله وحده واستعانوا به وحده جل جلاله . 

ويقول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)) رواه البخاري، وقوله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)) رواه البخاري، ومعنى احتسبه أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله.

تأملوا أيها المسلمون البلاء العظيم عند أيوب – عليه السلام – فقد ابتلاه الله في أهله ومالـه وولده وجسده لله حتى ما بقي إلا لسانه وقلبه ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا 

بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وانكسار
 (( رب إني مسني الضرّ وأنت أرحم الراحمين ))


فجاء الجواب من الجواد الكريم ( فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمةً من عندنا وذكرى للعابدين ) الأنبياء 

وقال تعالى : ( إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ) 

وهاهو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهاً، دخل على الوليد في ثياب جميلة فقال الوليد:هكذا تكون فتيان قريش، ولا دعا بالبركة فقالوا أنه أصابه بالعين،خرج هذا محمد بن عروة بن الزبير من المجلس فوقع في اصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطأه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة وقالوا لابد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها فلما وصل المنشار إلى القصبة(وسط الساق) وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: ((أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله))، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، لما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، ولما قالوا: نسقيك شيئاً يزيل عقلك؟قال: إنما ابتلاني ليرى صبري، ورفض.

وهاهو أبوقلابة التابعي الجليل ممن ابتلي في بدنه ودينه،وأريدعلى القضاء وهرب إلى الشام فمات بعريضة وقد ذهبت يداه ورجلاه وبصره وهو مع ذلك حامد شاكروعندما سئل على ماذا تحمد فقال الم يعطني لسانا ذاكرا وقلبا شاكرا وبدنا على البلاء صابراً.

أسال ان يجعلني واياكم من الصابرين والشاكرين 

اسأل الله ان يقوي إيماننا وان يرفع درجاتنا أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم



خامساً : من فوائد المرض أنه الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر فلو دامت للعبد أحواله لتجاوز وطغى ونسي المنتهى لكن الله سلط عليه الأمراض والأوجاع وخروج الأذى والريح ليعلم أنه ضعيف .

يا مدعي الكبر إعجاباً بصورتـــه *** انظر خلاك فإن النت تثريب 

لو فكر الناس ما في بطونهم *** ما ادعى الكبر شبان وشيبان 

فالعبد يجوع كُرها ويمرض كرهاً ويموت كرهاً ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً .
فمن اكنت هذه طبيعته فلماذا يتكبر ولماذا يتغطرس 

((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ) الانفطار 

( كلا إنا خلقناهم مما يعلمون ) المعارج 

وقال ابن القيم رحمه الله: (لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلاً أو آجلاً



سادساً: من فوائد المرض معرفة العبد ذله وحاجته وفقره إلى الله فأهل السماوات والأرض محتاجون إليه سبحانه فهم الفقراء إليه فهو الغني سبحانه ولولا أن سلّط على العبد هذه الأمراض والبلايا لنسي نفسه ونسي خالقه

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله)

قال تعالى 

( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) إبراهيم 



سابعاً: من فوائد المرض أن فيه مساواه تامة 

فهي سنة الحياة فلا يفرق المرض بين غنيٍ ولا فقير ولا يعرف فقيراً ولا عزيزاً الناس سواء والمرض لابد للجميع . 

((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ))الحجرات13



ثامناً: من فوائد المرض أنه يهمس في قلوبنا قائلاً: بنيتك يا ابن ادم ليست من الصلب والخديد بل من مواد ضعيفة قابلة للتحلل والتفسخ فدع عنك الغرور واعرف عجزك وتعرف على أصلك وافهم وظيفتك في الحياة الدنيا .



تاسعاً: المرض يجعلك تتأمل فيمن ابتلاهم الله بأشد منك فيجعلك هذا تصبر وتحمد الله على ما أنت فيه وترضى بما قسمه الله لك . 
ولقد كان الصالحون يفرحون بالمرض والبلاء ويعدونه نعمة كما يفرح الواحد منا بالرخاء قال صلى الله عليه وسلم : ((وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء))

ولما كان الأنبياء والصالحون هم أحب الخلق إلى الله تعالى كان بلاؤهم أشد من غيرهم فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً قال: ((الأنبياء ثم الأقل فالأقل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابةً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة))رواه الترمذي وهو صحيح. 

وهذا نبيكم سيد الخلق أجمعين كان أشد الناس بلاءً حيث يشتد عليه المرض أكثر من غيره حتى قالت عائشة رضي الله عنها: ((ما رأيت أحداً أشد عليه الوجع من رسول الله)) رواه البخاري ومسلم.

وقال أبو سعيد: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك؟ قال: ((إنا كذلك يضعف لنا البلاء ويضعف لنا الأجرة، قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ،قلت: ثم من؟ قال: الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحويها (يجمعها)، وإن أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)).

اللهم اجعلنا من عبادك الصابرين وقوي ايماننا وارفع درجاتنا وتقبل صلاتنا ولا تميتنا 

الا وانت راضٍ عنا يارب العالمين