الخميس، 28 مايو 2015

إن الله جميل يحب الجمال


إن الله جميل يحب الجمال

جميلٌ هذا الوجود، وبديعٌ هذا الكون، جماله لا ينفد، وحسنه لا ينتهي، وإبداعه فوق الخيال، وإن المرء بقدر قربه من ربه، وتعرُّفه على خالقه يترقّى في إدراك هذا الجمال، وتلمُّس هذا الإبداع، وتملّي ذلك الحسن .

إن القلب إذا استيقظ من همود العادة وملالة الألفة، وسبات الرتابة، فإنه يدرك شيئاً من هذا النعيم، ويتذوق بعضاً من ذلك الجمال .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
إن الجميل سبحانه يحرم من أعرض عن ذكره، وتنكر لنوره، وتمرد على هدايته، يحرمه من تذوق ما أبدعه من جمال، ويحجبه عن استلهام ما رسمه من حسن، وقد يرى ظاهراً من ذلك الجمال، ولكنه محروم من الجوهر، بعيد من الروح، عميت عيناه، وطُمِست بصيرته، وأظلم قلبه، ينظر إلى المشهد الجميل ولا ينظر لعظمة من خلقه، ويرى المنظر البديع فلا يسجد لمن أوجده، فهم في غفلة سادرة، وظلام دامس، وشرود مقيت :

{ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } ...
 [الأعراف : 179] .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
إنهم يسيرون في الأرض ويدرجون على ظهرها، ويصطدمون بحسنها ويُحاصرون بجمالها، ويُحاطون بروعتها، فلا يهزهم الجمال الأخاذ، ولا يوقظهم الحسن الباهر، لا قلب يعقل ، ولا أذن تسمع، ولا عين تبصر، ولا فؤاد يهتز، ولا نفس تطرب، ولا ضمير ينيب، ولا مشاعر تستجيب :

 { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } ...
 [الحج : 46] .
رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
إن العين المفتوحة، والحس المرهف، والقلب البصير، والوجدان الحي يرى ويدرك هذا الجمال في كل جزئية من جزئيات الكون، وإن التأمل في ذلك الجمال والدخول إلى أعماقه يعمر النفس بالأنس، ويحيي القلب بالمتعة، ويكون المرء في سعادة غامرة وهو يعيش في هذا المهرجان الإلهي الجميل المتقن .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
كم في هذا الكون من جمال ساحر، ومنظر فاتن، وحُسن باهر، وأجمل من كل ذلك الجمال، وأروع من جميع ذلك الحسن، أن ينظر ذوو الألباب إلى جمال هذا الكون، وروعة إبداعه، وعظيم صنعه، ودقة إحكامه، وعميق انسجامه، فيؤمنون بأن وراء هذا الجمال جمالاً أعظم وحُسناً أكبر، ونوراً أكمل، وبهاءً أتم، وأن جمال هذا الوجود بأسره ما هو إلا قطرة من فيض جماله، وومضة من بديع كماله .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
إن رؤية الجمال على حقيقته لا تكون إلا حينما ينظر القلب بنور الله ، فتتكشف له الأشياء عن جواهرها الجميلة، وروائعها البديعة، ويتذكر الله كلما وقعت عينه أو حسه على شيء بديع، أو منظر حسن، فيحس بالصلة ويشعر بالترابط بين المبدع وما أبدع، والجميل وما جمّل، والمحسن وما أحسن، ويرى من وراء هذا الجمال جمال الله وجلاله وكماله .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
والله جل وعلا جمع في هذا الوجود بين الكمال والجمال، وعنصر الجمال في هذا الكون مقصود قصداً، جمال مقصود وكمال بلا حدود، والقرآن الكريم يوقظ القلوب لتتبع مواضع الحسن، وآيات الجمال في هذا الكون البديع ،


{ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } ... [المؤمنون : 14] ،
{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } ... [السجدة : 7] .

وقال تعالى :
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } 
[ق : 6] .
 وتأمل كلمة : 
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا ، إنه استفهام استنكاري لأولئك الذين لهم أعين لا يبصرون بها، وقلوب لا يفقهون بها، ولا يرون ذلك الجمال الساحر، والإبداع الأخّاذ، والحسن الجذاب الذي يدل على رب الأرباب، ولذلك يكثر في القرآن الكريم الأمر بالنظر لأخذ العبرة وللإحساس بالجمال .


رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
قال تعالى :
{ أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ } ... [الأعراف : 185]
 وقال تعالى :
{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ...
 [الروم : 50] 


وقال تعالى :
{ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ...
[العنكبوت : 20] 

وقال تعالى :
{ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ {24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً {25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً {26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً {27} وَعِنَباً وَقَضْباً {28} وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً {29} وَحَدَائِقَ غُلْباً {30} وَفَاكِهَةً وَأَبّاً {31} مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } ...
 [عبس : 24 – 32] .


وقال تعالى : 

{ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ... 
[يونس : 101] .
رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
فأين الأعين الناظرة، والقلوب المبصرة، والأذهان المتوقدة، والفطر السليمة، والمشاعر الحية، والأحاسيس المرهفة ؟ !! يا الله ما أروع هذا الكون وما اجمل هذا الوجود ، إن المتأمل فيه يُبهر بجماله، وروعة نظامه، وعظمة إحكامه، كل شيء فيه جميل، ليله ونهاره، وصبحه ومساؤه، وأرضه وسماؤه، بدره وشمسه، حرّه وبرده، غيمه وصحوه، أخضره وأغبره، جباله وتلاله، سهوله ووديانه، برّه وبحره . كل شيء جميل، وكل شيء بديع، وكل شيء متقن، وكل شيء متناسق، وكل شيء منتظم، وكل شيء بقدر، وكل شيء بإحكام، من الذرة الصغيرة إلى الجرم الكبير، ومن الخلية الساذجة إلى أعقد الأجسام .

ماذا نذكر ؟ وماذا نجلّي ؟ وعن أي شيء نتحدث من هذا العالم البديع والخلق الرفيع ؟ انظر إلى الإنسان وروعة خلقه، وتباين أجناسه، وتعدد لغاته واختلاف نغماته، فهو جل وعلا قد أحسن كل شيء خلقه، ومن أحسن مخلوقاته وأجملها الإنسان :
{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ {6} الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ {7} فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ } ... 
[الانفطار : 6 – 8 ] ،
{ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } ...
 [التين : 4] .
رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
أنظر إلى السماء وهيبتها، والنجوم وفتنتها، والشمس وحسنها، والكواكب وروعتها، والبدر وإشراقه، والفضاء ورحابته، تأمل السماء في ليلة حالكة وقد انتثرت فيها الكواكب، وبُثت فيها النجوم، وتأمل السماء في ليلة مقمرة، والبدر حالم، والكون من حوله مهوّم، كأنما يمسك أنفاسه لا يوقظ الحالم السعيد . انظر إلى الأرض كيف دحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها . وهذه البحار، هذه الأنهار، هذا الليل، هذا الصبح، هذا الضياء، هذه الظلال، هذه السحب، هذا التناغم الساري في الوجود كله، هذا التناسق، هذه الزهرة، هذه الوردة، هذه الثمرة اليانعة، هذا اللبن السائغ، هذا الشهد المذاب، هذه النخلة، هذه النحلة، هذه النملة، هذه الدويبة الصغير المجهزة بالأرجل أو الشعيرات أو الملاسة والمرونة لتشق طريقها، وتتعامل مع واقعها .

هذه السمكة، هذا الطائر المغرد، والبلبل الشادي، هذه الزاحفة، هذا الحيوان، جمال لا ينفد، وحسن لا ينتهي، وقرة عين لا تنقطع : 

{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18} يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } ...
 [الروم : 17 – 19] .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....

 
  
جميلٌ هذا الوجود، وبديعٌ هذا الكون، جماله لا ينفد، وحسنه لا ينتهي، وإبداعه فوق الخيال، وإن المرء بقدر قربه من ربه، وتعرُّفه على خالقه يترقّى في إدراك هذا الجمال، وتلمُّس هذا الإبداع، وتملّي ذلك الحسن .

إن القلب إذا استيقظ من همود العادة وملالة الألفة، وسبات الرتابة، فإنه يدرك شيئاً من هذا النعيم، ويتذوق بعضاً من ذلك الجمال .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....


تشرق الشمس فترسل أشعتها الذهبية وتبهج القلوب ، وتسبي الأفئدة بروعة إشراقها ،
مخبـأة ، أمـا إذا الليــل جنــها فتخفى ، وأمـا بالنهـار فتظـهرُ
إذا انشق عنها ساطع الفـجر وانجلى دُجى الليل وانجاب الحجاب المستَّرُ
وألبـس عرض الأرض لونـاً كأنه على الأفق الشرقي ثـوب مُعَصْفـر
تـجلّت ، وفيـها حين يبدو شعاعها ولم يحل للعيـن البصيـرة منظـر
بـلون ، كدرع الزعـفران يشوبـه شعاع تلالا ، فـهو أبيـض أصفر
إلى أن علت وابْيَضَّ منها اصفرارها وجالت كما جال المـهيْجُ المـسهّر
وجلـلت الآفـاق ضـوءاً ينيرهـا فخرَّ لهـا صـدر الضحى يـتسعّر
ترى الطل يُطوى حيـن تعلو وتارة تراه إذا مـالت إلى الأرض يُنشـر
وتدنف حتـى ما يكــاد شعاعهــا يبـيـن إذا غابـت لمـن يتبصـر
كما بدأت ، إذا أشرقـت ، في مغيبها تـعود كمـا عـاد الكـبير المـعمَّر
فأفنت قروناً ، وهي فـي ذاك لم تزل تمـوت وتحيـا كل يـوم وتُنْـشَر

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
قال تعالى :

{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ {39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } ...
 [يس : 38 – 40] .

ثم تذهب الشمس لتغيب فتعجز الأقلام ، وتتضائل ريشة الرسام عن محاكاة الجمال ، وتقريب الصورة ، وترجمة الروعة .

كأن الشمس إذا غربت غريق هـوى في البحر أو وافى مغاصا
فـأتبعها الهلال على غروب بـزورقه ، يريد لهـا خـلاصا
إني أرى شمس الأصيل عليلة تـرتاد من نحو المغارب مغربا
مالت لتحجب شخصـها فكأنها مـدت على الدنيا بساطاً مُذهْبـا
وكأنما الشمس المنيرة إذ بدت والبدر يجنح للغروب وما غرب
متحاربان لذا مجنٌّ صــاغه من فضة ، ولذا مجنٌ من ذهب

ويبزغ القمر المنير بنوره الأخاذ، وضوئه الباهر، فيتغنى به الشعراء، ويتيه به الأدباء .
وليس أجمل لدى المحب من الخلوة بحبيبه في ضوء القمر، ومناجاة أنيسه في معية البدر . ويرتفع البصر المتأمل إلى السماء المزينة بالكواكب، المجملة بالمصابيح، فيرى العجب العجاب، ثم يرجع البصر فلا يرى في هذا الخلق من تفاوت، ولا يبصر في ذلك الإبداع من تناقض .

قال تعالى : { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ } ... [الصافات : 6] .
وقال تعالى : { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } ... [الملك : 5] .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
يقول الأستاذ سيد قطب صاحب الريشة الساحرة، والظلال العاطرة : " ومشهد النجوم في السماء جميل . ما في هذا شك . جميل جمالاً يأخذ بالقلوب . وهو جمال متجدد تتعدد ألوانه بتعدد أوقاته؛ ويختلف من صباح إلى مساء، ومن شروق إلى غروب، ومن الليلة القمراء إلى الليلة الظلماء، ومن مشهد الصفاء إلى مشهد الضباب والسحاب .. بل إنه ليختلف من ساعة لساعة، ومن مرصد لمرصد، ومن زاوية لزاوية .. وكله جمال وكله يأخذ بالألباب .

هذه النجمة الفريدة التي توصوص هناك، وكأنها عين جميلة ، تلتمع بالمحبة والنداء ! .
وهاتان النجمتان المفردتان هناك، وقد خلصتا من الزحام تتناجيان ! .
وهذه المجموعات المتضامنة المتناثرة هنا وهناك، كأنها في حلقة سمر في مهرجان السماء . وهي تجتمع وتفترق كأنها رفاق ليلة في مهرجان ! .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
وهذا القمر الحالم الساهي ليلة، والزاهي المزهو ليلة، والمنكسر الخفيض ليلة، والوليد المتفتح للحياة ليلة، والفاني الذي يدلف للفناء ليلة .. ! .
وهذا الفضاء الوسيع الذي لا يمل البصر امتداده، ولا يبلغ البصر آماده .
إنه الجمال . الجمال الذي يملك الإنسان أن يعيشه ويتملاه، ولكن لا يجد له وصفاً فيما يملك من الألفاظ والعبارات ! .

والقرآن يوجه النفس إلى جمال السماء، وإلى جمال الكون كله؛ لأن إدراك جمال الوجود هو أقرب وأصدق وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود . وهذا الإدراك هو الذي يرفع الإنسان إلى أعلى أفق يمكن أن يبلغه، لأنه حينئذ يصل إلى النقطة التي يتهيأ فيها للحياة الخالدة، في عالم طليق جميل، بريء من شوائب العالم الأرضي والحياة الأرضية . وإن أسعد لحظات القلب البشري لهي اللحظات التي يتقبل فيها جمال الإبداع الإلهي في الكون . ذلك أنها هي اللحظات التي تهيئه وتمهد له ليتصل بالجمال الإلهي ذاته ويتملاه " أ هـ [الظلال] .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
وتتلبد السماء بالسحاب، وتسودُّ بالغيوم، ثم يرعد الرعد، ويبرق البرق، فإذا المزن يجود بوابل صيب، وماء طيب، هنيئاً مريئاً، زلالاً غدقاً، عذباً فراتا، فتهتز الأرض وتنبت من كل زوج بهيج، وما أجمل السحاب حينما يجود بوابل هتّان .

مُستضحك بلوامع مستعبر بدوامع لم تمرها الأقـذاءُ
فله بلا حزن ولا بمسـرة ضحك يؤلفُ بينه وبكـاءُ
ثقلت كُلاه وأنهرت أصلابه وتبعّجت ْ من مائه الأحشاءُ

قال تعالى :

{ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ {10} يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } ... 
[النحل : 10 ، 11] .
رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
ينظر المتأمل إلى الطبيعة الساحرة فتملك لبه، وتهز إحساسه، وتثير مشاعره، أشجار ملتفة، ثمار يانعة، ورود عابقة، زهور متفتحة، أنهار جارية، طيور مغردة، وبلابل صادحة، شلالات ساحرة، وجبال شامخة، وهاد واسعة، وحدائق غناء، ومروج خضراء .

قال تعالى :

{ وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ...
 [الأنعام : 99] .
وتأمل كلمة : { انظُرُواْ } فهي دعوة صريحة إلى التأمل وإمتاع النظر وإطلاق البصر، ليتملّى روعة هذا الجمال الساحر، فليس الأمر لمجرد التمتع بهذه النعم في أكلها، بل يجب أن يضاف إلى المتعة الحسية متعةٌ معنوية، وهي تأمل الجمال والاستمتاع بالمنظر .

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
قال تعالى :

{ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }...
 [ق : 7] 
انظر إلى كلمة : { بَهِيجٍ } وما تضفيه على النفس، وتزرعه في الوجدان، وتبثه في الفؤاد من الإحساس بالجمال، والاستمتاع بالطبيعة .

انظر إلى جمال الليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، يطبق الليل بظلامه الدامس وسكونه الرهيب، وسواده المهيب، ثم ينبلج الصباح، وتستأنف الحياة، وتنتشر المخلوقات، ويستعاد النشاط، وتنبعث الهمم .

قال تعالى :

{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ...
 [النحل : 12] .

وهذا أحد الشعراء وقد تأمل الشمس والهلال والثريا فقال :

شمس هوتْ وهلال الشهر يتبعها كأنها سـافر قـدّام مُنتقـب
تبدو الثريا وأمر الليـل مجتمـع كأنها عقرب مقطوعة الذنب

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
وقال الآخر عن الثريا :
تبدو الثريا كفاغرٍ شرهٍ يفتح فاه لأكل عنقود
كون جميل، ومخلوقات بديعة، وحسن خلاب، انظر إلى الطيور المغردة، والبلابل الشادية، انظر إلى حسن تغريدها، وجميل تطريبها، وانظر إلى حسن منظرها في جو السماء، فأنت مدعو إلى امتناع الرؤية وإبهاج القلب بإطلاق البصر والبصيرة في هذا الجمال:

{ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } ... 
[الملك: 19].

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
انظر إلى الأنعام الجميلة، والحيوانات العجيبة، تنوع أشكالها، تعدد ألوانها، كثرة أنواعها، اختلاف طباعها، خلقها الله جل وعلا لينتفع بها الناس ما بين أكل منها، أو ركوب عليها، أو استفادة من لحومها وشحومها وأصوافها وأشعارها وأوبارها، وما إلى ذلك، وليس هذا هو القصد فقط، بل أوجدها لتلبي متعة الجمال عند الإنسان، فالإنسان لا يجدر به أن تكون نظرته حسية فقط أو لمجرد تلبية حاجات الطعام والشراب والركوب، بل يجب أن يجمع إلى ذلك متعة النظر، وخاصية الجمال، والإحساس بالحسن والارتقاء بالشعور، انظر إلى قوله تعالى:

{ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ {5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } ... 
[النحل: 5 ، 6].

وتأمل قوله تعالى:

{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ...
 [النحل].

وكما ذكرنا سالفاً فإن القرآن يلفت النظر دائما إلى هذه المسألة الهامة في التعامل مع الكون، وهي مسألة إجالة النظر، والتنبيه على الرؤية، وإثارة شعور الإحساس بالجمال.

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
هذا هو البحر بجماله وجلاله وعظيم عجائبه وكثرة غرائبه، مخلوقات عجيبة الشكل جميلة المنظر، متقنة الإبداع، رائعة الأشكال، ساحرة الألوان، حلي ثمينة، ودرر غالية، لؤلؤ جذاب، وسفن وبواخر تمخر العباب.

قال تعالى:

{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ...
 [النحل:14].

وانظر إلى كلمة: { وَتَرَى } فهي تدعو إلى إطلاق البصر من قيود النظر الحسية المادية إلى تملّي آفاق الجمال، والسياحة في مراتع الحسن.
إن على هذا المخلوق الجميل الذي يحب الجمال، وينفعل بالجمال، ويعيش الجمال، ويتوق للجمال أن يتعرف على الخالق الجميل، والإله العظيم، والبر الرحيم، فيسجد لجلاله، ويؤمن بجماله، ويدين لكماله، ومن أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه بالجمال، وهي معرفة خواص الخلق، وكلهم عرفه بصفة من صفاته. وأَتَمُّهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله، والله تعالى ليس كمثله شيء في سائر صفاته، ولو فَرَضْتَ الخلق كلهم على أجملهم صورة وكلهم على تلك الصورة، ونسبت جمالهم الظاهر والباطن إلى جمال الرب سبحانه لكان أقل من نسبة سراج ضعيف إلى قرص الشمس، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة من آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال.

ويكفي في جماله أنه له العزة جميعا والقوة جميعا والجود كله والإحسان كله والعلم كله والفضل كله، ولنور وجهه أشرقت الظلمات.

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
وقال عبد الله بن مسعود: " ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه، فهو سبحانه نور السماوات والأرض ويوم القيامة إذا جاء لفصل القضاء تشرق الأرض بنوره ".

ومن أسماء الله الحسنى [الجميل] وفي الصحيح عنه ـ صلى الله عليه وسلم: (إن الله جميل يحب الجمال ).

وجماله سبحانه على مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال المخلوقات، وجمال الأسماء، فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، ومخلوقاته غاية في الجمال، آية في الحسن، وأما جمال الذات وما هو عليه، فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه غيره، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده.

رد: فواصل رووعة لتزيين المواضيع .....
والله سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، وأن يكون منظره جميلاً، وملبسه جميلا، ومأكله جميلا، ومشربه جميلا، ومركبه جميلا ومسكنه جميلا، في غير ما كبر ولا إسراف ولا مخيلة، فإن ذلك من الجمال الذي يحبه، وذلك من شكره على نعمته، والجمال الباطن بالشكر عليها. ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباساً وزينة تجمل ظواهرهم، وتقوىً تجمل بواطنهم،

 فقال:
{ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } ...
 [الأعراف : 26].

وقال في أهل الجنة:

{ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً } ...
[ الإنسان: 11 ، 12] .
 فجمل وجوههم بالنضرة، وبواطنهم بالسرور، وأبدانهم بالحرير وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة، فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله.

 
فضيلة الشيخ / ناصر بن مسفر الزهراني

  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق