رسالة رفع الغموم عن أهل الهموم
د. بدر عبد الحميد هميسه
الله تعالى قد قسم بين الناس معايشهم وآجالهم،
قال تعالى:
{ نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم معِيشَتَهُم في الحَياةِ الدنيَا }
الزخرف: 32.
فالرزق مقسوم، والمرض مقسوم، والعافية مقسومة، والأجل مقسوم
وكل شيء في هذه الحياة مقسوم. فارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى
الناس، ولا تجزع للمرض، ولا تكره القدر، ولا تسب الدهر، فإن الدقائق
والثواني والأنفاس كلها بيد الله تعالى يقلبها كيف يشاء، فيُمرِض من
يشاء، ويعافي من يشاء، ويبتلي من يشاء
{ أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ }.
الأعراف: 54.
وما دام الأمر كذلك فسلِّم أمرك لله أيها المبتلى، واعلم أنَّ ما أصابك لم يكن
ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن من يريد أن تكون الحياة على
حال واحدة، فكأنما يريد أن يكون قضاء الله تعالى وفق هواه وما يشتهيه.
وهيهات هيهات.،
قال تعالى:
{ كُل نَفسٍ ذَائِقَةُ المَوتِ وَنَبلُوكُم بِالشر وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينَا تُرجَعُونَ }
الأنبياء: 35.
وقال جل وعلا :
{ أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ يُفتَنُونَ (2)
وَلَقَد فَتَنا الذِينَ مِن قَبلِهِم فَلَيَعلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَن الكَاذِبِينَ }
العنكبوت: 2-3.
فالكل لا بد أن يبتلى ولست أكرم على الله تعالى من أنبيائه ورسله , الذين
ابتلاهم الله تعالى بأنواع الابتلاءات فمنهم من ابتلى بالمرض ومنهم من
ابتلي بالفقر ومنهم من ابتلي بفقع عزيز ومنهم من ابتلي بالتكذيب والطرد
فهذا أيوب عليه السلام
ابتلي في نفسه وولده وماله وتسأله زوجه أن يسأل الله كشف الضر
وهو النبي المستجابة دعوته فيقول لها:
كم مضى علينا في عافية فتقول: ستين سنة، فيقول لها: فإني أستحي
أن أسأل ربي العافية وما بلغنا في البلاء ما بلغناه في عافية
ومن البلاء الابتلاء بالهم والغم , ولقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم
يستعيذ بالله من الهم والحزن ,
عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَنَسٍ ؛أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
( كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ. )
وفي رواية :سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَعَنِ الدَّجَّالِ ؟ فَقَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ
مِنَ الْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ ، وَالْبُخْلِ ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ )
أخرجه أحمد 3/179(12864) والتِّرْمِذِيّ\" 3485
و\"النَّسائي\" 8/257 .
والمؤمنون في الجنة يحمدون الله تعالى على نعمة إذهاب الهم والحزن عنهم ,
قال تعالى :
{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ
وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ
إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ
لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35) }
سورة فاطر
يقول ابن القيم رحمه الله :
\" والقلوب تتفاوت في الهم والغمّ كثرة واستمراراً بحسب ما فيها من
الإيمان أو الفسوق والعصيان فهي على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ،
ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو
عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم \" .
وقد رأينا كيف أن بكاء يعقوب على ابنه أفقده بصره ، وكيف أن ال غم
بلغ مداه بالسيدة عائشة عندما تطاول عليها الأفاكون - فظلت تبكي
حتى قالت :
\" ظننت أن الحزن فالق كبدي \" .
قال الإمام علي رضي الله عنه :
أشد جنود الله عشرة: الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب
الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل
الماء، والريح يقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح يستتر بالثوب
أو الشيء ويمضي لحاجته؛ والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السكر،
والهم يغلب النوم، فأشد جنود الله الهم.
فترى المهموم حزينا ومغموما ومكتئبا ولا يستقر على حال من القلق ,
لا يرى إلا الشوك والحسك ,
قال الشاعر :
أيهذا الشاكي وما بك داء * * * كيف تغدو إذا غدوت َ عليلاً
إنَّ شرَّ الجناة ِ في الأرض ِنفسٌ * * * تتوقى قبل َالرحيل ِ الرحيلا
وترى الشوكَ في الورودِ وتعمى * * * أن ترى فوقها الندى إكليلا
هو عبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ * * * من يظن الحياةَ عبئاً ثقيلا
والذي نفسُهُ بغير جمال ٍ * * * لا يرى في الوجود ِ شيئاً جميلا
والعرب تقول:
همك ما أهمك، أي أذابك ما أحزنك
قال أحمد بن يوسف :
كثير هموم القلب حتى كأنما**** عليه سرور العالمين حرام
إذا قيل : ما أضناك ؟ أسبل دمعه**** فأخبر ما يلقى وليس كلام
والناس يتفاوتون في الهموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم وما يحمله كل
واحد منهم من المسئوليات.والهموم أنواع وأسباب , فمن الهموم ما يكون
ناشئاً عن المعاصي ، كالهموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه كما يحدث في
هم من أصاب دماً حراماً، أو هم الزانية بحملها.
ومن الهموم ما يكون بسبب ظلم الآخرين كظلم الأقرباء وكذلك الغموم
الحاصلة بسبب مصائب الدنيا ، كالأمراض المزمنة والخطيرة ، وعقوق
الأبناء وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج.
ومن الهموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل وما يخبئه الزمان
كهموم الأب بذريته من بعده وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه
ما يخلفه لهم .
وهذه الهموم كلها تنشأ من ضعف الإيمان والثقة بالله تعالى , ومن سوء
الظن به وعدم الاعتماد والتوكل عليه , وعدم الرضا بما قضى وقدر ,
وضعفاء الإيمان يُصابون بالانهيار أو يُقدمون على الانتحار للتخلص من
الكآبة والحبوط واليأس إذا ما وقعوا في ورطة أو أصابتهم مصيبة وكم
ملئت المستشفيات من مرضى الانهيارات العصبية والصدمات النفسية
وكم أثرت هذه الأمور على كثير من الأقوياء ، فضلاً عن الضعفاء ،
وكم أدت إلى العجز التام أو فقدان العقل والجنون.
عن عون بن عبد الله ، قال :
بينا رجل في بستان بمصر في فتنة آل الزبير جالس مكتئب ينكت بشيء
معه في الأرض ، إذ رفع رأسه مسحاة قد مثل له فقال له : « ما لي أراك
مهموما حزينا بالدنيا فإن الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر ، أما
بالآخرة فإن الآخرة أجل صادق يحكم فيها ملك قادر ، يفصل بين الحق والباطل
الإبانة الكبرى لابن بطة 2/284.
وليحيى بن خالد بن برمك، من أبيات:
ألا يا بائعاً ديناً بدنيا * * * غرورٍ لا يدوم لها نعيم
سينقطع التلذّذ عن أناس * * * أداموه وتنقطع الهموم
قال الشاعر:
يا صاحبي ما لي أراك مقطباً مهموما * وعلى ملامحك البكاء
مصوراً مرسوما
اصبر على سحب الحياة إذا تجمع غيمها فالشمس لن تبق
على وجه السماء غيوما
وروى الحسين بن إدريس الحلواني قال:
سمعت الإمام محمد بن إدريس الشافعي يقول: ما أفلح سمين قط إلا أن
يكون محمد بن الحسن، قيل له: ولمَ قال: لأنه لا يعدو العاقل إحدى
خصلتين: إما أن يهتم لآخرته ومعاده، أو لدنياه في معاشه، والشحم مع
الهم لا ينعقد، فإذا خلا من المعنيين صار في حد البهائم فانعقد الشحم؛
ثم قال: كان ملك في الزمان الأول وكان مثقلاً كثير الشحم لا ينتفع بنفسه،
فجمع المتطببين وقال: احتالوا لي بحيلة تخف عني لحمي هذا قليلاً؛ قال:
فما قدروا له على شيء؛ قال: فذكر له رجل عاقل أديب متطبب فاره،
فبعث إليه وأشخصه فقال له: عالجني ولك الغنى، قال: أصلح الله الملك،
أنا طبيب منجم، دعني حتى أنظر الليلة في طالعك أي دواء يوافقه
فأسقيك؛ قال: فغدا عليه فقال: أيها الملك الأمان، قال: رأيت طالعك يدل
على أن عمرك شهر، فإن اخترت عالجتك، وإن أردت بيان ذلك فاحبسني
عندك، فإن كان لقولي حقيقة فخل عني، وإلا فاستقص مني؛ قال: فحبسه؛
قال: ثم رفع الملك الملاهي واحتجب عن الناس وخلا وحده مغتماً كلما
انسلخ يوم ازداد غماً حتى هزل، خف لحمه، ومضى لذلك ثمانية
وعشرون يوماً، فبعث إليه وأخرجه، فقال: ما ترى قال: أعز الل ه الملك،
أنا أهون على الله من أن أعلم الغيب، والله لا أعرف عمري فكيف أعرف
عمرك إنه لم يكن عندي دواء إلا الغم، فلم أقدر أجلب إليك الغم إلا بهذه
العلة، فأذاب شحم الكلى؛ فأجازه وأحسن إليه.
وفيات الأعيان 1/479 , ثمرات الأوراق , لابن حجة 1/25 .
قال أبو الطيب :
وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيمَ نَحَافَةً **** وَيُشِيبُ نَاصِيَةَ الصَّبِيِّ وَيُهْرِمُ
وهناك من الهموم ما يكون محموداً ومطلوبا , وهو الهم لأجل الآخرة ,
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ
، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ )
أخرجه التِّرْمِذِي (2465) وصححه الألباني في صحيح الجامع 6510 .
وعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ :قَالَ عَبْدِ اللهِ ،
سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
( مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا ، هَمَّ آخِرَتِهِ ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِى أَحْوَالِ الدُّنْيَا ، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهَا هَلَكَ )
أخرجه ابن ماجة (257 و4106).
وكذا من الهم المحمود :
الهم لأحوال الناس وتحمل المسؤولية وأداء الأمانة , كما كان الخلفاء
الصالحون يهتمون بأمر الرعية , يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :
\" إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله قد فني عليه الكبير وكبر عليه
الصغير وفصح عليه الأعجمي وهاجر عليه الأعرابي حتى حسبوه دينا
لا يرون الحقّ غيره.
سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم ص : 37
ومن الهموم المحمودة أيضا همّ الداعية في نشر الدين وحمل الرسالة
والأخذ بيد المدعو إلى طريق الهداية، وهموم العابد في تصحيح عبادته
في القصد والأداء، وهم المسلم بما يصيب إخوانه في أقطار الأرض..
عن عائشة رضى الله عنها تحدث ابن أختها عروة
( أنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ
مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ
مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ
فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ
أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ
أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ
قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا
شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ
فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاب ِهِمْ
مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا.)
رواه البخاري الفتح 3231
قال ابن القيم رحمه الله:
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمّل الله عنه سبحانه
حوائجه كلها، وحمل عنه كلّ ما أهمّه، وفرّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره،
وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمّله الله همومها
وغمومها وأنكادها ووكَلَه إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق،
ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو
يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره.. فكلّ من أعرض عن عبودية الله
وطاعته ومحبته بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته.
قال تعالى :
{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ }
الزخرف (36) . راجع : الفوائد. ص: 159 .
مر إبراهيم بن ادهم على رجل ينطق وجهه بالهم والحزن فقال له إبراهيم
ياهذا إني أسالك عن ثلاثة فاجبني : فقال له الرجل نعم فقال له إبراهيم :
أيجري في هذا الكون شي لايريده الله ؟ فقال لا قال : أينقص من أجلك
لحظة كتبها الله لك في الحياة ؟ قال لا قال : أينقص رزقك شي قدره الله
قال لا ، قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟؟؟ .
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني لغلامه:
\'يا غلام: لا يكن همك ما تأكل وما تشرب، وما تلبس وما تنكح، وما
تسكن وما تجمع، كل هذا هم النفس والطبع فأين هم القلب، همك ما
أهمك، فليكن همك ربك عز وجل وما عنده\'.
قال الشاعر :
سهرت أعين ونامت عيون * * * في أمور تكون أو لا تكون
فادرأ الهم ما استطعت عن النفس * * * فحملانك الهموم جنون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان * * * سيكفيك في غد ما يكون
وكما حذر الإسلام من الاستسلام للهم والغم فقد وضع
علاجات ناجحة وناجعة له ومنها :
1- حسن التوكل والرضا بقضاء الله وقدره :
قال تعالى :
{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }
(3) سورة الطلاق
وفي الحديث الصحيح بقوله :
( عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ )
رواه مسلم في صحيحه رقم 2999 .
يقول ابن القيم رحمه الله :
\" فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختيار والتدبير
وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه وأنه أعلم بمصلحة العبد من
العبد وأقدر على جلبها وتحصيلها منه وأنصح للعبد لنفسه وأرحم به منه
بنفسه، وأبرّ به منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين
يدي تدبيره خطوة واحدة ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم
له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقى نفسه بين يديه وسلم الأمر
كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك
عزيز قاهر. له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه
بوجه من الوجوه ، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد
والحسرات. وحمل كل حوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله
ولا يكترث بها. فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها
من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه
كله إليه وجعله وحده همه. فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه
، وفرغ قلبه منها ، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه
وأعظم سروره وفرحه.
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسه واختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه،
خلاه وما اختاره وولاه ما تولى فحضره الهم والغم والحزن والنكد
والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمل
يزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل
بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش
ولا يظفر منها بأمل ولا يتزود منها لمعاد.
الفوائد لابن القيم ص : 209 .
والتوكل يتبعه عمل صالح يرضى به المؤمن ويسعد به ,
قال الله تعالى:
{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
النحل (97) .
2- معرفة حقيقة الدنيا :
فليعلم العاقل أن الدنيا لا تخلو من بلية ولا تصفو من محنة و رزية لأن
الدنيا دار بلاء،وهم وعناء ,
قال الله تعالى:
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }
(2) سورة الملك
فإذا علم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وما فيها من لذة فهي
مكدّرة ولا تصفو لأحد. إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً
منعت كثيراً، والمؤمن فيها محبوس
كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ )
رواه مسلم رقم 2956 .
وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها
كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ
أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ
الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ
وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ )
رواه البخاري : الفتح رقم 6512 .
ولقد كان الأنبياء في الدنيا أشد الناس بلاءً وغموما وهموما ، والمرء
يبتلى على قدر دينه ، والله إذا أحب عبداً ابتلاه
وقد سأل سعد رضي الله عنه
النبي صلى الله عليه وسلم فقَالَ :
( يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً قَالَ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ
فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ
وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ
بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ )
رواه الترمذي وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، السنن : رقم 2398
وهو في صحيح سنن الترمذي للألباني رقم 1956 .
ومع أول غمسة للمؤمن في الجنة لن يتذكر شيئاً من عذاب الدنيا ولا من
شدتها , ومع أول غمسة للكافر في النار لن يتذكر شيئاً من نعيم الدنيا
ولا من متاعها .
عن أنس مرفوعاً:
( يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار فيصبغ في النار صبغة،
ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا والله ما رأيت
نعيماً قط، ويؤتي بأبأس أهل الدنيا من أهل الجنة فيصبغ في الجنة
صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول:
لا والله ما رأيت بؤساً قط )
[رواه مسلم].
لذا فإن عليه أن يكثر من ذكر الموت ,
لقوله صلى الله عليه وسلم :
( أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق
من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيَّقها عليه )
رواه البزار عن أنس وحسنه الألباني كما في صحيح الجامع رقم 1211,
وصححه كذلك في إرواء الغليل رقم 682 .
قال الشاعر
قل لمن يحملُ هما * * * إن همك لن يدوم
مثلما تفني السعادة* * * هكذا تفني الهموم
3- أن يعرف أن في الهم تكفير للذنب وتمحيص للقلب :
في الهموم والصبر عليها تكفير للذنوب وستر للعيوب وتطهير وتمحيص
للقلوب ,
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَعَنْ أَبي هُرَيْرَة ،
عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
( مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب ، وَلاَ وَصَب ، وَلاَ هَمِّ ، وَلاَ حَزن ،وَلاَ أَذىً ، وَلاَ غَمّ ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا ،إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ )
أخرجه أحمد 2/303(8014) و\"البُخَارِي\" 7/وفي (الأدب المفرد) 492
و\"مسلم\" 8/16(6660) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه )
رواه الترمذي السنن رقم 2396 . صحيح الجامع رقم 308 .
فالهموم والأمراض كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ ، فَهِيَ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ
فِي مَرَضِهِ ، فَلَا يُضَيِّعُهَا بَلْ يَأْتِي بِصَلَاتِهِ وَلَوْ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ ،
وَأَنْ يُكْثِرَ الرَّجَاءَ ، وَلَا يَقْنَطَ مِنْ عَفْوِ رَبِّهِ ، وَلَا يُكْثِرَ الشَّكْوَى إلَّا عِنْدَ
صَالِحٍ تُرْتَجَى بَرَكَةُ دُعَائِهِ ، وَأَنْ لَا يَنْطِقَ لِسَانُهُ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي فِي
حَقِّ الْبَارِي ، بَلْ يُلَاحِظُ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْعِبَادِ يَفْعَلُ فِيهِمْ كَيْفَ شَاءَ ، فَإِنْ خَفَّفَ
فَبِمَحْضِ فَضْلِهِ ، وَإِنْ شَدَّدَ فَبِعَدْلِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ
الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَكِيمٌ يُدَاوِيه ، لِأَنَّ الْمُدَاوِيَ حَقِيقَةً هُوَ
الَّذِي خَلَقَ الْمَرَضَ ، وَجَوَازُ التَّدَاوِي لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ .
الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني 8/142 .
وها هو عمران بن حصين رضي الله عنه ، صحابي جليل أسلم وغزا مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات ، وعقبه بالبصرة ، وكان أبيض
الرأس واللحية ، كف نفسه عن الفتنة ، مجاب الدعوة ، بعثه عمر بن الخطاب
يفقه أهل البصرة ، كانت الملائكة تسلم عليه من جوانب بيته في علته ،
فلما اكتوى فقده ، ثم عاد إليه. معرفة الصحابة
لأبي نعيم الأصبهاني 15 /110 .
4- الصلاة والذكر والدعاء :
قال الله تعالى :
{ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ }
(45) سورة البقرة
وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى )
رواه أبو داود كتاب الصلاة باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم
من الليل وحسنه في صحيح الجامع رقم 4703.
وقال تعالى :
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ َألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) }
سورة الرعد .
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
( أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي
دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا
عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا :
وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللهِ )
أخرجه أحمد 5/195(22045) و\"ابن ماجة\" 3790
و\"التِّرمِذي\"3377 .
وقال تعالى في فضل الدعاء :
{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)}
سورة الفرقان .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ
( لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ )
رواه البخاري، الفتح رقم 6346 .
وعَنْ عَبْداللهِ ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
( مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ،
وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ،
عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ،
أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ
فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ،
وَجَلاَءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، هَمَّهُ ،
وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ
هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ : أَجَلْ ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ )
أخرجه أحمد 1/391(3712) و1/ 452(4318). وصححه الألباني
في السلسلة الصحيحة رقم 198.
عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:
( دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ
بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ « يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي
أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». قَالَ هُمُومٌ لَزِمَتْنِى
وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ : أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ». قَالَ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ « قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ
وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ ». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّى وَقَضَى عَنِّى دَيْنِى.)
أخرجه أبو داود (1555).
قال الشاعر :
وإني لأدعو اللهَ والأمـرُ ضيِّقٌ * * * عليَّ فما ينفكُّ أن يتفرجـا
ورُبَّ فتىً ضاقت عليه وجوهُهُ * * * أصاب له في دعوة الله مخرجا
5- الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام :
قال تعالى :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) }
سورة الأحزاب .
وعَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ :
( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ
: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ، قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ :
يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟
فَقَالَ : مَا شِئْتَ. قَالَ : قُلْتُ : الرُّبُعَ ، قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : النِّصْفَ ، قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ
قَالَ : قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ، قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ
قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ.)
قال الترمذي : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. رقم 170) ، والترمذي (4/636
،وأخرجه أحمد (5/136 ، رقم 21279) ، والحاكم (2/457 ، رقم 3578)
، والبيهقى في شعب الإيمان (2/187 ، رقم 1499) ، والضياء (3/389 ،
رقم 1185). وحسنه الألباني في المشكاة 929 .
قال الشاعر :
بأبي وأمي أنت يا خير الورى * * * وصلاةُ ربي والسلامُ معطرا
يا خاتمَ الرسل الكرام محمدٌ * * * بالوحي والقرآن كنتَ مطهرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ * * * وبفيضها شهِد اللسانُ وعبّرا
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ * * * فاقتْ محبةَ مَن على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدقُ محبةٍ * * * لا تنتهي أبداً ولن تتغيرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته * * * ما قام عبدٌ في الصلاة وكبّرا
6- لا تنظر إلى من هو فوقك:
المؤمن لا يطمع إلى ما في يد غيره ,
قال تعالى :
{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54) }
سورة النساء .
ولا ينظر إلى من فوقه في المال والحظوة , بل ينظر إلى من فوقه في
الدين والعبادة والعلم , وينظر إلى من دونه في المال , وهذا ما أوصانا به
الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم ,
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ:
( أَمَرَنِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ : أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ
وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي ، وَلاَ أَنْظُرَ إِلَى
مَنْ هُوَ فَوْقِي ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ ، وَأَمَرَنِي أَنْ
لاَ أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا ،
وَأَمَرَنِي أَنْ لاَ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ
لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ )
أخرجه أحمد 5/159(21745) و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\" 10114
و\"ابن حِبان\" 449. قال الألباني في \" السلسلة الصحيحة \"
5 / 200 .
قال الشاعر:
مَنْ شَاءَ عَيْشًا هَنِيئًا يَسْتَفيدُ بِهِ * * * فَلْيَنْظُرَنَّ إلى مَنْ فَوْقَهُ أَدَبًا
في دِينِهِ ثُمَّ في دُنْيَاهُ إقْبَالا * * * وَلْيَنْظُرَنَّ إلى مَنْ دُونَهُ مَالا
7- لا تأس على ما فات:
قال تعالى :
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }
(23) سورة الحديد .
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
( الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ
وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ
فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ
وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ).
أخرجه أحمد 2/366(8777) و\"مسلم\" 8/56 و\"النَّسائي\"
في \"الكبرى\" 10383 .
لأن الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها والهم
الذي يحدث بسببه الخوف من المستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع
جده واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر ، فإن جمع القلب على ذلك
يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن .
صبراً جميـلاً ما أسـرع الفرجا * * * من صدق الله في الأمــور نجــا
من خشـي الله لـم ينلــه أذى* * * ومـن رجـا الله كان حيـثُ رجـا
وعليك أن تفكر فيما هو آت, وان لا تنظر إلى الحياة من منظارها الأسود
وفقط , بل إن الحياة فيها الخير وفيها الشر , فيها ماهو حسن وما هو خير
, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ )
رواه مسلم 1469.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته
لابن عباس رضي الله عنهما
( النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً .)
رواه أحمد 1/293 السلسلة الصحيحة 2382 وصححه الألباني
في صحيح الجامع برواية الخرائطي عن أنس بلفظ رقم 6806 .
وعليك كذلك أن تنشغل بالأعمال الصالحة التي تبعدك عن الفراغ الذي
هو سبب من أسباب التفكير والانشغال بالغموم والهموم .
قال الشاعر :
لا تكره المكروه عند حلوله ****** إن العواقب لم تزل متباينة
كم نعمة لا يستهان بشكرها ***** لله في طي المكاره كامنة
وقال آخر :
كُن عن همومك مُعرضاً* * * وكِل الأمور إلى القضا
وانعم بطول سلامة * * * تُسليك عمّا قد مضا
فلربما اتسع المضيق * * * وربما ضاق الفضا
ولرب أمر مسخط* * * لك في عواقبه رضا
الله يفعل ما يشاء ف* * * لا تكن مُتعرضا
قال الشيخ عائض القرني - حفظه الله - في كتابه الرائع الماتع :
لا تحزن \" : لا تحزنْ :
فإنَّ أموالك التي في خزانتِك وقصورَك السامقةَ ، وبساتينَك الخضراءَ ،
مع الحزنِ والأسى واليأسِ : زيادةٌ في أسَفِكَ وهمِّكَ وغمِّكَ .
لا تحزنْ : فإنَّ عقاقير الأطباء ، ودواء الصيادلةِ ، ووصفةَ الطبيبِ
لا تسعدُكَ ، وقدْ أسكنت الحزن قلبَك ، وفرشتَ له عينك ، وبسطتَ له
جوانحَك ، وألحفتَه جلدَك .
لا تحزنْ : وأنت تملكُ الدعاءَ ، وتُجيدُ الانطراح على عتباتِ الربوبيةِ ،
وتُحسنُ المسكنة على أبواب ملِكِ الملوكِ ، ومعكَ الثلثُ الأخيرُ من الليلِ ،
ولديكَ ساعةُ تمريغ الجبينِ في السجودِ .
لا تحزنْ : فإنَّ الله خَلَقَ لكَ الأرض وما فيها ، وأنبت لك حدائقَ ذاتَ بهجةٍ
، وبساتين فيها من كلِّ زوجٍ بهيجٍ ، ونخلاً باسقاتٍ له طلعٌ نضيدٌ ،
ونجوماً لامعاتٍ ، وخمائل وجداول ، ولكنَّك تحزن !!
لا تحزنْ : فأنت تشربُ الماء الزلال ، وتستنشقُ الهواء الطَّلْق ، وتمشي
على قدميْك معافى ، وتنام ليلكَ آمناً . لا تحزن :
عائض القرني ص 64 , 65.
وقال :
\" إن الحياة كريمة ولكن الهدية تحتاج لمن يستحقها, وإن الذين تضحك
لهم الحياة وهم يبكون وتبتسم لهم وهم يكشرون لا يستحقون البقاء.
وضع صياد حمامة في قفص فأخذت تغني فقال الصياد: أهذا وقت الغناء؟
فقالت: من ساعة إلى ساعة فرج.
قيل لحكيم: لماذا لا تذهب إلى السلطان فإنه يعطي أكياس الذهب؟ قال:
أخشى منه إذا غضب أن يقطع رأسي ويضعه في أحد تلك الأكياس ويقدمه
هدية لزوجتي.
لماذا تسمع نباح الكلاب ولا تنصت لغناء الحمام؟ لماذا تشاهد من الليل
سواده ولا تشاهد حسن القمر والنجوم؟ لماذا تشكو لسع النحل وتنسى
حلاوة العسل؟
تاب أبوك آدم من الذنب فاجتباه ربك واصطفاه وهداه, وأخرج من صلبه
أنبياء وشهداء وعلماء وأولياء, فصار أعلى بعد الذنب منه قبل أن يذنب.
ناح نوح والطوفان كالبركان فهتف: يا رحمان يا منان, فجاءه الغوث
في لمح البصر فانتصر وظفر, أما من كفر فقد خسر واندحر.
أصبح يونس في قاع البحر في ظلمات ثلاث فأرسل رسالة عاجلة فبها
اعتراف بالاقتراف, واعتذر عن التقصير, فجاء الغوث كالبرق
لأن البرقية صادقة.
غسل داود بدموعه ذنوبه فصار ثوب توبته أبيض لأن القماش نسج
في المحراب والخياط أمين, وغسل الثوب في السحر.
إذا اشتد عليك الأمر وضاق بك الكرب وجاءك اليأس فانتظر الفرج.
إذا أردت الله يفرج عنك ما أهمك فاقطع طمعك في أي مخلوق صغر أم
كبر, ولا تعلق على أحد أملاً غير الله وأجمع اليأس من كافة الناس .
حتى تكون أسعد الناس ص 14.
شكا رجل إلى أحد الصالحين ما هو فيه من هّم وأسى ،فأوصاه قائلاً :
إن أحوال الإنسان أربع لا خامس لها : نعمة وبلاء ، وطاعة ومعصية ،
فإن كنت في نعمة فمقتضى الحق منك الشكر.. وإن كنت في بلاء فمقتضاه
منك الصبر .. وإن كنت في طاعة فلا تنس مِنّة الله عليك فيها ،ولتستزد
منها وإن كنت في معصية فإن عليك أن تتوب وتستغفر.. قال الرجل :
فقمت من عنده وكأنما كانت همومي كلها ثوباً نزعته! قال : فلقيني بعد
أيام فسألني عن حالي ،فأجبته : إني أفتش عن الهم فلا أجده .
8- إن مع العسر يسرا:
فقد أمرنا الله في كتابه الكريم بعدم اليأس بل جعله قرينا للكفر فقال :
{ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }
(87) سورة يوسف.
وأخبرنا سبحانه بأن كل شيء في الكون يمضي بأمر الله
قال تعالى :
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }
[الحديد: 22، 23]
.وقال لنا الصادق المعصوم محمد :
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:
(إن رجلا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: «الشرك بالله،
والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله )
والحديث حسنٌ قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) رواه البزار والطبراني
ورجاله موثقون، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع.
قال مرزوق العجلي :
دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضِها لي ، ولم أيأس منها !.
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أبشروا لن يغلب عسر يسرين
{ إن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا }
(الحاكم عن الحسن مرسلا)أخرجه الحاكم (2/575 ، رقم 3950) .
قال الحسن البصري :
عجباً لمكروب غفل عن خمس آيات من كتاب الله عز وجل وعلم فوائدها.
قال تعالى:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ . أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ
وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
البقرة 157:155
{ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ . فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ }
غافر 44.
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً
وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ
وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }
\" آل عمران 173.\"
{ وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ
فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ }
الأنبياء 88
{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ .
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }
الأنبياء 83.
جاءت امرأة إلى المأمون في مجلسة ليرفع العقاب عن ابنها وكان
المأمون قد تناسى فلما خبرته تذكر فأمر بشنقه وكتب إلى عاملة ؛
فلان بن فلان يطلق الآن ؛ فاطلقة فرآه المأمون فكتب إلى عاملة (يشنق )
فحولها القلم إلى (يطلق ) وهو لا يدرى بأمر الله فاطلقة0ثم حدث هذا مرة
ثالثة فكتب المأمون إلى عاملة :فلان بن فلان يطلق ثم يطلق ثم يطلق رغم
انف أبى, ومن أراد له الله أن يطلق فلا يشنق ولو اجتمعت السموات
والأرض على أن يشنق0
عن عطاء الخراساني:أن امرأة أبي مسلم الخولاني قالت : ليس لنا دقيق
، فقال : هل عندك شيء ؟ قالت : درهم بعنا به غزلاً قال : ابغينيه وهاتي
الجراب ، فدخل السُّوق ، فأتاه سائل ، وألح ، فأعطاه الدّرهم ، وملأ
الجراب نُشارة تُراب وأتى وقلبه مرعوب منها وذهب .ففتحته، فإذا به
دقيق حُواري . فعَجنت وخبزت .فلما جاء ليلاً وضعته فقال : من أين هذا ؟
قالت : من الدقيق ، فأكل وبكى .:
نزهة الفضلاء (1/320 ).
قال الشاعر
يا صاحب الهمّ إنّ الهمّ منقطعٌ * * * أبشر بذاك فإنّ الكافي اللّه
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه * * * لا تيأسنّ كأن قد فرّج اللّه
اللّه حسبك ممّا عذت منه به * * * وأين أمنع ممّن حسبه اللّه
هنّ البلايا، ولكن حسبنا اللّه * * * واللّه حسبك، في كلٍّ لك اللّه
هوّن عليك، فإنّ الصانع اللّه * * * والخير أجمع فيما يصنع اللّه
يا نفس صبراً على ما قدّر اللّه * * * وسلّمي تسلمي، فالحاكم اللّه
يا ربّ مستصعب قد سهّل اللّه * * * وربّ شرّ كثير قد وقى اللّه
إذا بكيت فثق باللّه وأرض به * * * إنّ الذي يكشف البلوى هو اللّه
الحمد للّه شكراً لا شريك له * * * ما أسرع الخير جدّاً إن يشا اللّه
عن مسعر بن كدام ، أن رجلا ركب البحر فانكسرت السفينة فوقع في
جزيرة ، فمكث ثلاثة أيام لم ير أحداً ، ولم يأكل ولم يشرب ، فتمثل
بقول القائل :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي * * * وصار القار كاللبن الحليب
فأجابه صوت مجيب لا يراه :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه * * * يكون وراءه فرج قريب
فنظر فإذا سفينة قد أقبلت ، فلوح إليهم فأتوه فحملوه ، فأصاب خيراً كثيراً
.حلية الأولياء 7/289 , والفرج بعد الشدة للتنوخي 110 .
وقانا الله وإياكم شر الغموم والهموم , اللهم فرج هم المهمومين ,
ونفس كرب المكروبين , واقض الدين عن المدينين ,
واشف مرضانا ومرضى المسلمين , تقبل يا أرحم الراحمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق