الأحد، 8 فبراير 2015

الإبتلاء في القرآن : أنواعه و نتائجه


البلاء والابتلاء والفتنة والامتحان والاختبار :
خمسة ألفاظ مختلفة تشترك في الدلالة على معنى واحد هو الاختبار·
يقال في اللغة:
بلاه ببلوه بلواً أو بلاء وابتلاء يبتليه ابتلاء: إذا جرَّبه واختبره·
وفي القرآن الكريم:
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ }
القلم:17
أي اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع حتى أكلوا الجيف بدعوته
صلى الله عليه وسلم·
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }
البقرة:124
أي اختبره بما كلفه من الأوامر والنواهي·(2)·
{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ }
ص:34
أي ابتليناه واختبرناه·
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ }
الممتحنة:10
أي اختبروهن لتعرفوا إيمانهن·
والله عز وجل جعل العلة لخلق المؤمن والحياة اختبار عباده وابتلاءهم
لتبيين محسنهم ومسيئهم فقال:
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }
الملك: 1 ـ 2·
وأقسم سبحانه إنه سيبلو عباده أي "يختبرهم" بالمكاره والمصائب
ليظهر صبرهم واحتسابهم ورضاهم بما قدَّره عليهم فقال:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشيء مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156)
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
البقرة: 155 ـ 157·
والابتلاء في القرآن أنواع :
1 ـ ابتلاء بالتكليف كما في قوله تعالى في الآية 124 من سورة البقرة:
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ }
ومنها أمره بذبح ابنه ولما استجاب لأمر ربه وتهيأ لتنفيذ الذبح سمَّى الله
ذلك التكليف البلاء المبين أي الواضح وافتدى الله الابن العزيز الصابر
الراضي بقضاء ربه بكبش عظيم: قال
{ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
فلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104)
قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) }
الصافات: 100 ـ 107·
ومن الابتلاء بالتكليف ما حدث لأصحاب القرية من بني إسرائيل
{ وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ
إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ
كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
الأعراف:163
وقال سبحانه:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ }
محمد:31·
2 ـ ابتلاء بالمحن والشدائد والمصائب ليظهر الصبر والرضا والتسليم·
ومن ذلك قوله تعالى:
الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }
العنكبوت: 2 ـ 3·
وقوله عز وجل:
{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ
وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }
البقرة:155·
فمن الخطأ :
ادعاء الإيمان من غير الثبات في الشدائد والرضا بقضاء الله إن سنة الله
في خلقه أن يختبر إيمان المؤمنين بأن يصيبهم بما يكرهون فإن صبروا
ورضوا بما قدَّر ربهم فقد صدقوا في قولهم آمنا وإن لم يصبروا ويرضوا
فهم كاذبون في دعوى الإيمان·ومن الابتلاء بالمحن والشدائد ما تحفل به
حياة الأنبياء والمرسلين
{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ
وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
يوسف:111·
ـ ابتلاء هو عقاب على ارتكاب المعاصي التي يرتكبها العباد
ومن ذلك قوله تعالى:
{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ }
القلم: 17 ـ 20·
فما أصاب أهل مكة وما نزل بحديقة هؤلاء المانعين حق الله
 من ابتلاء هو انتقام وعقاب·
4 ـ ابتلاء بالنعم والخيرات: فكل خير يتفضل الله به على عبد من عباده
هو اختبار له ليظهر شكره وحسن استخدام النعم فيما يرضي المنعم
سبحانه وتعالى فإن شكر فقد نجح في امتحان الخير وأرضى ربه واستحق
المزيد من الخير تحقيقاً لوعد الله عز وجل
{ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد }
إبراهيم:7·
وكثيراً ما يخفى على الناس أن النعم ابتلاء فيظنونها تكريماً من الله لهم
لا اختباراً لشكرهم فيسيئون استخدامها ويفترون بها فيفسدون ولا
يصلحون على نحو ما قصه القرآن عن قارون:
{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) }
القصص: 76 ـ 78·
والله عز وجل يذكر لنا أنه يبتلي عباده بالخير كما يبتليهم بالشر
فيقول سبحانه وتعالى:
{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }
الأنبياء:35·
وقال سبحانه:
{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }
الأعراف:168·
والابتلاء بالشر أهون من الابتلاء بالخير فإن الامتحان بالشر امتحان
مباشر يدركه عامة الناس فكل من وقع به ما لا يحب من مصيبة أو فقد
عزيز أو نقص في مال أو نفس يدرك غالباً أنه مُبتلى ومُختبر فيلجأ إلى
ربه يسأل اللطف والتخفيف والتعويض قائلاً في الآية 156 من سورة
البقرة كما علَّمه ربه:
{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }
أما الامتحان بالخير فهو امتحان غير مباشر لا يدرك حقيقته إلا من صدق
إيمانه وصفت بصيرته فأدرك أنه مسؤول عن كل ما يتفضل الله به عليه
من الصحة أما التمكين في الأرض أو زيادة في الخير على نحو ما قصه
القرآن الكريم عن نبي الله سليمان عليه السلام إذ قال حينما سمع صوت
النملة تحذر قومها من الهلاك إن لم يدخلوا مساكنهم خشية أن يحطمهم
جيشه المتعدد الجنسيات من الإنس والجن والطير
{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ
وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِين }
النمل:19·
وقوله عليه السلام عندما جاءه عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام
في أقل من غمضة العين:
{ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }
النمل:40·
ولأن الامتحان بالخير أصعب من الامتحان بالشر
{ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ‌ }
سبأ:13·
والابتلاء على قدر الإيمان فكلما قوي إيمان العبد اشتد ابتلاؤه
ولأن الأنبياء أقوى المؤمنين إيماناً كان بلاؤهم شديداً وفي الحديث
عن سعد بن أبي وقاص قال:
( قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟
قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى العبد على حسب دينه·)
والابتلاء دليل على حب الله لمن ابتلاه
فعن أنس بن مالك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( عِظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم
فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط· )
وهو يكفِّر السيئات ويرفع الدرجات وفي الحديث الشريف:
( ما يصيب المسلم من همٍّ ولا نصبٍ ولا وصبٍ حتى الشوكة
يُشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه. )

منقول من بيت عطاء الخير
جزاهم الله عنا كل خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق