صفاء القلوب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين
كان رسول الله يوجه اهتمام الصحابة لإصلاح قلوبهم
ويبين لهم أن /
صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية
والعلل الكامنة وهو الذي يقول:
( ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحتْ صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
[رواه البخاري في كتاب الإيمان. ومسلم في كتاب المساقاة
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما].
كما كان عليه الصلاة والسلام يعلمُهم أن محل نظر الله إلى عباده إنما هو القلب:
( إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظرُ إلى قلوبكم )
[أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ولقد عدَّ العلماء الأمراض القلبية
من الكبائر التي تحتاج إلى توبة مستقلة
قال صاحب "جوهرة التوحيد":
وأمُرْ بعرفٍ واجتنبْ نميمةْ وغيبةً وخَصلةً ذميمةْ كالعجب والكبرِ وداء
الحسدِوكالمراءِ والجدلْ فاعتمدِ يقول شارحها عند قوله وخصلة ذميمة :
أي واجتنب كل خصلة ذميمة شرعاً وإنما خصَّ المصنف ما ذكره يعد
اهتماماً بعيوب النفس فإن بقاءها مع إصلاح الظاهر كلبس ثياب حسنة
على جسم ملطَّخ بالقاذورات ويكون أيضاً كالعجب وهو رؤية العبادة
واستعظامُها كما يعجب العابد بعبادته والعالم بعلمه فهذا حرام وكذلك
الرياء فهو حرام.
ومثل العجب الظلمُ والبغي والكبر وداء الحسد والمراء والجدل
["شرح الجوهرة" للباجوري ص120 ـ 122 توفي سنة 1277هـ].
ويقول الفقيه الكبير العلامة ابن عابدين في حاشيته الشهيرة:
إن علمَ الإخلاص والعجب والحسد والرياء فرضُ عين ومثلها غيرها من
آفات النفوس كالكبر والشح والحقد والغش والغضب والعداوة والبغضاء
والطمع والبخل والبطر والخيلاء والخيانة والمداهنة والاستكبار عن الحق
والمكر والمخادعة والقسوة وطول الأمل ونحوها مما هو مبين
في ربع المهلكات من "الإحياء".
قال فيه:
ولا ينفك عنها بشر فيلزمه أن يتعلم منها ما يرى نفسه محتاجاً إليه.
وإزالتها فرض عين ولا يمكن إلا بمعرفة حدودها وأسبابها وعلاماتها
وعلاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه)
["حاشية ابن عابدين" المسماة رد المحتار على الدر المختار
شرح تنوير الأبصار، ج1/ص31].
ويقول صاحب "الهدية العلائية":
وقد تظاهرت نصوص الشرع والإجماع على تحريم الحسد واحتقار
المسلمين وإرادة المكروه بهم والكبر والعجب والرياء والنفاق وجملة
الخبائث من أعمال القلوب بل السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه
مسؤولاً مما يدخل تحت الاختيار
["الهدية العلائية" علاء الدين عابدين ص315].
ويقول صاحب "مراقي الفلاح":
لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة بالإخلاص والنزاهة
عن الغلِّ والغش والحقد والحسد وتطهير القلب عما سوى الله من الكونين
فيعبده لذاته لا لعلة مفتقراً إليه وهو يتفضل بالمن بقضاء حوائجه
المضطر بها عطفاً عليه فتكون عبداً فرداً للمالك الأحد الفرد لا يسترقك
شيء من الأشياء سواه ولا يستملكُ هواك عن خدمتك إياه.
قال الحسن البصري رحمه الله:
رُبَّ مستورٍ سبته شهوتُهْ قد عري من ستره وانْهَتَكَا
صاحبُ الشهوةِ عبدٌ فإذا مَلَكَ الشهوة أضحى مَلِكا
فإذا أخلص لله وبما كلفه به وارتضاه قام فأدَّاه، حفَّتهُ العناية حيثما
توجه وتيمَّم وعلَّمه ما لم يكن يعلم.
قال الطحطاوي في "الحاشية": دليله قوله تعالى:
{ واتقوا الله ويعلِّمكم الله }
[البقرة:282 ])
[حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح ص70 ـ 71].
فكما لا يحسن بالمرء أن يظهر أمام الناس بثياب ملطخة بالأقذار والأدران
لا يليق به أن يترك قلبه مريضاً بالعلل الخفية وهو محل نظر الله سبحانه
وتعالى: تطَبِّبُ جسمَك الفاني ليبقى وتترك قلبَك الباقي مريضاً لأن
الأمراض القلبية سبب بُعد العبد عن الله تعالى وبعده عن جنته الخالدة
قال رسول الله :
( لا يدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرة مِنْ كبر )
[رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان
عن ابن مسعود رضي الله عنه].
وعلى هذا فسلامة الإنسان في آخرته هي في سلامة قلبه ونجاتُه في
نجاته من أمراضه المذكورة.وقد تخفى على الإنسان بعض عيوب نفسه
وتدق عليه علل قلبه فيعتقد في نفسه الكمال وهو أبعد ما يكون عنه
فما السبيل إلى اكتشاف أمراضه والتعرف على دقائق علل قلبه ؟
وما الطريق العملي إلى معالجة هذه الأمراض والتخلص منها ؟
تصفية الباطن من كدرات النفس أي عيوبها وصفاتها المذمومة كالغل
والحقد والحسد والغش وحب الثناء والكبر والرياء والغضب والطمع
والبخل وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء
أما تحلية النفس بالصفات الكاملة كالتوبة والتقوى والاستقامة والصدق
والإخلاص والزهد والورع والتوكل والرضا والتسليم والأدب والمحبة
والذكر والمراقبة فللصوفية بذلك الحظ الأوفر من الوراثة النبوية
في العلم والعمل.
قد رفضوا الآثامَ والعيوبا وطهَّروا الأبدانَ والقلوبا
وبلغوا حقيقة الإيمان وانتهجوا مناهج الإحسان
["لفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية"
للعلامة ابن عجيبة على هامش شرح الحكم لابن عجيبة ج1/ص105].
الاهتمام بالجانب القلبي بالإضافة إلى ما يقابله من العبادات البدنية
والمالية ورسَمَ الطريق العملي الذي يوصل المسلم إلى أعلى درجات
الكمال الإيماني وما وصل المسلمون إلى هذا الدرْك من الانحطاط
والضعف إلا حين فقدوا روح الإسلام وجوهره ولم يبق فيهم
إلا شبحه ومظاهره.
ولما كان هذا الطريق صعب المسالك على النفوس الناقصة فعلى الإنسان
أن يجتازه بعزم وصبر ومجاهدة حتى ينقذ نفسه من بُعد الله وغضبه.
قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه:
عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك
وطريقَ الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وكلما استوحشت من تفردك فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على
اللحاق بهم وغُضَّ الطرف عن سواهم فإنهم لن يغنوا عنك من الله تعالى
شيئاً وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم فإنك متى التفتَّ
إليهم أخذوك وعاقوك)
منقول من بيت عطاء الخير
جزاهم الله عنا خيرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق