السبت، 31 يناير 2015

صفات المسلمة التقية -- ثمانية أسباب تعين المسلمة على تقوى الله


صفات المسلمة التقية
لابد أن يكون هناك فرق ظاهر بين المسلمة التقية الصادقة، والمسلمة التي تدعي التقوى ولا تسلكها، أو تسلك الطريق الخاطئ، لذا كان ولابد من أن تُجْلَى الصفات الحقيقية للمسلمة التقية، ولعل أهمها:
1ـ حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، 
وهذا الحب يحملها على وجوب الطاعة المطلقة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم رحمه الله[1]: "فالمحبة شجرة في القلب، عروقها الذل للمحبوب، وساقها معرفته، وأغصانها خشيته، وورقها الحياء منه، وثمرتها طاعته، ومادتها التي تسقيه ذكره، فمتى خلا الحبُّ عن شيء من ذلك كان ناقصًا".
وعلى ذلك فإن استقرت محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم في قلب المسلمة حملها ذلك على:
1ـ الحرص على تدبر تلاوة القرآن.
2ـ الإكثار من النوافل من صيام وصلاة وصدقة ونحو ذلك.
3ـ كثرة ذكر الله عز وجل بالقلب واللسان.
4ـ إفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع.
5ـ عدم تقديم قول أي شخص على قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.
6ـ مجالسة أهل الطاعة من النساء الصالحات الدَّيِّنات.
7ـ تذكر الموت والاتعاظ به.
8ـ الاعتزاز بشرائع الإسلام، حتى وإن كانت تخالف هواها.
2ـ مراقبة الله عز وجل:
فإن المسلمة حين تغفل عن مراقبة الله عز وجل لها واطلاعه عليها، يحملها ذلك على اقتحام حرمات الله فتعصيه ولا تبالي، أما المسلمة التقية فهي تستشعر مراقبة الله عز وجل فتستحي من مخالفته، وتطهر ظاهرها وباطنها مما يغضب الله عز وجل، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استحيوا من الله تعالى حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلا، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل فقد استحيا من الله حق الحياء"[2].
قال البيضاوي رحمه الله: "ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه، بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول".
وقال الحارث المحاسبي: "المراقبة علم القلب بقرب الرب"
وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقـل *** خلوت ولكن قل عليَّ رقيـب
ولا تحسبــن الله يغفـــل ســاعــة *** ولا أنَّ ما يخفى عليه يغيب 
فأي مراقبة هذه لمن باعت نفسها بأبخس الأثمنا؟!
وأي مراقبة هذه لمن تبرجت وتعرت وعصت الواحد القهار؟!
وأي مراقبة هذه لمن لا تتقي الله في لسانها؟
وأي مراقبة هذه لمن لم تشغل لسانها بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن؟
وأي مراقبة هذه لمن تعيش لدنياها وتغفل عن آخرتها؟!
وأي مراقبة هذه لمن لا تتقي الله تعالى في زوجها وأولادها؟!
3ـ مجاهدة نفسها ومغالبة هواها:
فالمسلمة التقية دائمًا في صراع مع نفسها وهواها، تجاهدهما وتغالبهما بطاعة الله تعالى والتقرب منه والأنس به، فهي دائمًا تحاسب نفسها، فإن وجدت تقصيرًا ـ ولابد ـ لامتها لومًا شديدًا ووبختها وعصمتها بطاعة الله تعالى، فإن بقيت على ذلك فإن نفسها ستصغو وتزكو، وسيصبح هواها مقيدًا دائمًا بالشرع، أما من تترك العنان لنفسها وهواها ليقوداها، هلكت وأضاعت نفسها وخسرت خسرانًا مبينًا.
قال الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله: "إذا همَّت نفسك بالمعصية فذكِّرها بالله، فإذا لم ترجع فذكِّرها بأخلاق الرجال، فإذا لم ترجع فذكِّرها بالفضيحة إذا علم بها الناس، فإذا لم ترجع فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان"[3].
وقد أخبر الله عز وجل أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[ص:26].
وقد حكم الله تعالى لتابع هواه بغير هدى من الله أنه من أظلم الظالمين فقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[القصص:50].
4ـ عدم اتباع خطوات الشيطان:
وذلك يتم بمعرفة مكائده ومصائده، والحذر من وساوسه ودسائسه، فيجب على المسلمة ابتداءً أن تعلم أن الشيطان عدوٌ لبني آدم، فلا يمكن أن يأمرها بخير أو ينهاها عن شر، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ[فاطر:6].
وصور مكائد ودسائس الشيطان كثيرة، ولنضرب مثالاً يوضح ذلك:
يأتي الشيطان ـ لعنه الله ـ إلى المسلمة يحذرها من الحجاب، وأنه تزمت وتشدد في الدين، فكم من محجبة لها تصرفات وسلوكيات غير سوية، وعلى ذلك فالمهم الأخلاق.
فإن وجد عندها إصرارًا على الحجاب، كرَّه إليها الحجاب الشرعي وزين لها الحجاب المتبرج، حتى تظن المسكينة أنها إذا ما ارتدت شيئًا على شعرها فقد تحجبت حتى لو ظهر شيء آخر من عورتها، حتى إذا وصل الحال بها إلى هذا الحد المزري، زين لها معاصي أخرى وأنه لا تعارض بين هذه المعاصي والحجاب، فلها أن تتخذ صديقًا، وأن تذهب إلى أماكن المنكر لمشاهدة أفلام أو مسرحيات وهكذا. حتى إذا استطاع أن يوقعها في الزنا لأوقعها وهي لا تزال تضع غطاءً على رأسها!!
لذا فإنه يجب على المسلمة أن تعرف ما تستعين به على الشيطان حتى تحفظ نفسها من شِركه وحبائله وهو:
1ـ الاستعاذة بالله منه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[فصلت:36].
2ـ قراءة المعوذات.
3ـ قراءة آية الكرسي عند النوم.
4ـ قراءة سورة البقرة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة"[4].
5ـ قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة كل ليلة.
6ـ قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" مائة مرة كل يوم، تكن لقائلها حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي.
7ـ كثرة ذكر الله عز وجل.
8ـ الوضوء والصلاة.
9ـ إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة.
5ـ تعظيم شعائر الله عز وجل، قال تعال: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ[الحج:32].
والشعائر جمع شعيرة: وهي كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم، كما قال القرطبي رحمه الله.
فالمسلمة التقية هي التي تعظم طاعة الله وأمره، فيدفعه ذلك إلى طاعته طاعة مطلقة، طاعة الذل والخضوع والحب للواحد القهار، وتعظم كذلك ما نهى الله عنه، فيمنعها ذلك عن معصيته، وصدق من قال: "أعزوا دين الله يعزكم الله".
فالمسلمة المتمسكة بصلاتها وحجابها، الحافظة للسانها وعورتها، إنما هي في حقيقة الأمر معظمة لشعائر الله.
ألا فلتتب كل مستهترة إلى ربها، ولتبادر بالعمل الصالح قبل فوات الأوان.

[1] روضة المحبين ص409.
[2] رواه الترمذي والحاكم وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني، صحيح الجامع 935، المشكاة 1608.
[3] علمتني الحياة ص32
[4] رواه مسلم



ثمانية أسباب تعين المسلمة على تقوى الله
إنَّ المسلمة لن تتقي الله تعالى وتصل إلى درجة التقوى الحقيقية إلا بعد أن تتخذ من الوسائل والأسباب ما يوصلها إلى ذلك، ولعل أهم ما يعين المسلمة على ذلك:
1ـ تحقيق العبودية لله تعالى:
فالعبادة هي الطريق المؤدي إلى بلوغ درجات التقوى، وقد خلق الله الخلق لتحقيق هذه الغاية وتلك الوظيفة، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56]، وقال أيضًا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل:36]. والعبادة بمعناها العام تشمل جميع أعمال المرء الإرادية؛ قلبية كانت أو سلوكية، ويمكن تعريفها بأنها: عمل العبد الإرادي الموافق لطلب المعبود[1].
وقد عرفها الإمام ابن تيمية رحمه الله بقوله: "العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة"[2].
"أما العبادة بمعناها الخاص فهي: الأعمال المحددة التي كُلِّف العبد بالقيام بها، وهي ما يعبر عنها بـ"الشعائر التعبدية" كالأركان وغيرها من الفرائض، وهي أعمال مقصورة لتحقيق الطاعة للخالق والتقرب إليه، وإعلان الخضوع الكامل له.
ومن هنا كانت العبادة بمعناها الخاص تحمل معنى الغاية والوسيلة في آن واحد، فهي غاية في حد ذاتها لأنها قربة وطاعة لله وخضوع عملي له، وهي وسيلة من جهة أخرى نظرًا لما تحتويه من تحقيق الخضوع لله تعالى والإشعار به"[3].
إن عبودية المسلمة لله تعالى تتحقق عندما تخضع لشرع الله تعالى، وتنقاد لأحكامه التي أحل بها الحلال وحرَّم الحرام، وفرض الفرائض، وحدَّ الحدود، وتقوم بذلك كله بحب وذل له وحده جلَّ وعلا، بحيث تصبح حياتها كلها مصطبغة بالإسلام، في أقوالها وفي أعمالها الظاهرة والباطنة، وأن يكون ولاؤها لهذا الدين وحده، ويظهر ذلك في سلوكياتها ومنهج حياتها، بحيث تعيش لله وحده، وكل ما في الدنيا يندرج تحت حكم الله تعالى.
2ـ العلم النافع:
ونعني به كل علم يقرب من الله سبحانه وتعالى، ويزيد الخشية منه، ويدفع إلى العمل الصالح.
ولا شك أن طلب العلم من أفضل القربات عند الله تعالى، فيه تصح العبادة التي هي "فرض عين" على كل مسلم ومسلمة، كما أن الاستزادة من العلم تعلي قدر المسلمة عند ربها، وترفع منزلتها.
وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة في بيان شرف العلم وأهله فمنها:
قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[الزمر: 9].
وقوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[المجادلة:11].
وعند معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"[4].
والعلم النافع له من الثمرات العظيمة ما يغرسه في نفس المسلمة من تقوى الله تعالى والخشية منه، بل إن العلم النافع هو الذي يدفع مباشرة إلى تقوى الله تعالى؛ لأنه هو الذي يعرف المسلمة على ربها حق المعرفة، فتخشاه وتهابه، فيدفعها ذلك إلى كل عمل صالح، ويلزم صاحبته بالخلق الفاضل، والأدب الكامل، والاعتصام بالكتاب والسنة، وإخلاص القصد لله سبحانه، وبذلك يثمر ثمراته المرجوة منه.
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:"من فاته هذا العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلى الله عليه وسلم[5]، وصار علمه وبالاً وحجة عليه، فلم ينتفع به لأنه لم يخشع قلبه لربه، ولم تشبع نفسه من الدنيا، بل ازداد عليها حرصًا ولها طلبًا ولم يُسمع دُعاؤه ـ لعدم امتثاله لأوامر ربه، وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه"[6].
3ـ العمل الصالح:
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "كمال الإنسان إنما هو بالعلم النافع والعمل الصالح وهما الهدى ودين الحق"[7].
لذلك فإن الترابط بين العلم والعمل وثيق جدًا، فلا يتصور وجود علم بلا عمل، أو عمل بدون علم.
والعمل الصالح هو الذي يمد المسلمة بالهمة على مجاهدة نفسها والارتقاء في منازل التقوى والقرب من الله تعالى، وكلما ازداد تمسكها بالفرائض ومسارعتها إلى النوافل كان ذلك زادًا لها على تحقيق التقوى، أما إذا تركت بعض الطاعات أو تكاسلت عن بعض النوافل؛ فإن زادها سيضعف، وجوادها سيتعثر.
ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم أن القليل الدائم من العمل خير من الكثير المنقطع فقال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"[8].
قال الإمام النووي في بيانه لما يشرد إليه هذا الحديث: "فيه الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم خير من كثير ينقطع. وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع؛ لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص، والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة"[9].
4ـ محاسبة النفس:
فالمسلمة ينبغي لها أن تقف مع نفسها وقفة حساب وعتاب كي تأمن من شرها وتتحكم في قيادها، وقد جاءت الآيات والأحاديث مبينة أهمية المحاسبة، فمنها:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر:18].
وقوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ[القيامة:1-2].
قال مجاهد: اللوامة هي التي تندم على ما فات وتلوم نفسها.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الكَيِّسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"[10].
قال الإمام الترمذي: معنى دان نفسه أي: حاسبها في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة.
ويقول الحسن البصري رحمه الله: "لا تلقى المؤمن إلا يعاتب نفسه، ماذا أردت بكلمتي؟ ماذا أردت بأكلتي؟ ماذا أردت بشربتي؟ والعاجز يمضي قدمًا لا يعاتب نفسه".
ويقول أيضًا رحمه الله: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
5ـ مداومة التوبة والاستغفار:
فإن العبد لا يخلو من ذنب أو معصية؛ وذلك لبشريته، لذا كان واجبًا عليه أن يداوم على التوبة والاستغفار.
قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[النور:31].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[التحريم:8].
والتوبة النصوح ـ كما يقول الإمام ابن كثير رحمه الله ـ: هي التوبة الصادقة الجازمة التي تمحو ما قبلها من السيئات، وتكفُّه عما كان يتعاطاه من الدناءات، وذلك بأن يقلع عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم أن لا يفعل ذلك في المستقبل[11].
وروى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
وروى أيضًا عن الأغر المزني ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيها الناس؛ توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة".
فسارعي أيتها المسلمة إلى التوبة، ولا تؤخريها أو تسوفيها، فإن ذلك مهلكة وبُعدٌ لك عن طريق التقوى.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن المبادرة إلى التوبة من الذنوب فرض على الفور لا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقلَّ أن تخطر هذه ببال التائب، ولا يُنجي من هذا إلا توبة عامة مما يعلم من ذنوبه وما لا يعلم"[12].
6ـ الصبر ومجاهدة النفس:
فلتصبر المسلمة على طاعة الله، وتصبر عن معصيته، وتصبر على ما تتعرض له من بلاء، وهذا الصبر بأنواعه الثلاثة يحتاج منها إلى مجاهدة نفسها.
قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج: 78].
وقال تعالى أيضًا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[العنكبوت:69].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكملُ الناس هدايةً أعظمهم جهادًا، وأفرضُ الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا. فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد"[13].
وقال صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه في الله عز وجل"[14].
7ـ صحبة الصالحات، والتأمل في سير النساء الصالحات:
فإن ذلك يكسب المسلمة الصلاح والتقوى، ويرقى بها إلى مدارج القرب من الله تعالى، وتتقي بذلك آفات النفس ومكائد الشيطان.
ولذلك أمرنا الله تعالى بصحبة أهل الصدق والتقوى والحرص على مجالستهم، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[التوبة:119].
وقال تعالى أيضًا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ[الكهف: 28].
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة إلى ضرورة اختيار الجليس الصالح وصحبته، والبعد عن جلساء السوء وترك مصاحبتهم، فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"[15].
وقوله صلى الله عليه وسلم أيضًا: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة"[16].
فالصحبة الصالحة كنز لا ينفد، وكلما كان صلاح الأصحاب أكبر ازدادت ثمرات تلك الصحبة؛ وعظمت آثارها في مختلف المجالات.
وبالصحبة يشيع الحب في الله، وتجد المسلمة من تنصحها وتوصيها بالخير وتذكرها بالله.
وبالصحبة تجد المسلمة القدوة الصالحة التي هي الطريق لحسن العاقبة في الآخرة؛ حيث تتأثر بأخلاقهن وسمتهن، وتستفد من علمهن وحديثهن، وتقوى من هِمتها وعزيمتها في الطاعة.
كما ينبغي للمسلمة القراءة في سير النساء الصالحات من الرعيل الأول ومن بعدهن، ولتتأمل أخبارهن، ولتطالع صفحات أعمالهن، فإن في ذلك أكبر دافع للعمل الصالح والتأسي.
8ـ تذكر الموت وأهوال القيامة:
فإن المسلمة التي تذكر الموت دائمًا والنقلة إلى القبر والبعث إلى يوم القيامة فإن ذلك يحررها من أسر الدنيا والشغف بها، كما أنه علاج لكثير من أمراض النفس؛ من الحسد والطمع والأنانية والكبر والغرور، وغير ذلك من أمراض النفس.
كما أن تذكر الموت والقيامة أيضًا يدفعان المسلمة إلى التزام التقوى والعمل الصالح.
يقول الحسن البصري رحمه الله: "حقيقٌ على من عرف أن الموت مورده، والقيامة موعده، والوقوف بين يدي الجبار مشهده، أن تطول في الدنيا حسرته، وفي العمل الصالح رغبته".
وقال أيضًا رحمه الله: "ما أكثر عبدٌ ذكر الموت إلا رأى ذلك في عمله، ولا طال أمل عبد قط إلا أساء العمل".
وكان يقول رحمه الله: "أيها الناس إنا والله ما خُلقنا للفناء ولكن خلقنا للبقاء، وإنما ننتقل من دار إلى دار".

[1] العبادة، د. محمد أبو الفتوح البيانوني ص16.
[2] العبودية ص38.
[3] العبادة للبيانوني.
[4] رواه البخاري.
[5] رواه مسلم.
[6] شرح النووي على صحيح مسلم (6/71)، وانظر: أدب الدين والدنيا للماوردي ص113.
[7] رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
[8] رواه مسلم.
[9] شرح النووي على صحيح مسلم (6/71)، وانظر: أدب الدين والدنيا للماوردي ص113.
[10] رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
[11] تفسير القرآن العظيم (4/418).
[12] مدارج السالكين (1/272، 273).
[13] الفوائد ص59.    
[14] رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم 1322.
[15] رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" برقم 1937.
[16] رواه البخاري ومسلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق