تأملات في سمات المبدعين
بقلم / د. محمد زويل
الإبداع والابتكار والتجديد …
عناصر أساسيّة لتطوير الحياة و من الناس قاعدون كسالى يعيشون على
جهود غيرهم . وينتظرون الآخرين ليفكروا لهم ويقترحون لهم بل وأحيانا
يعملون نيابة عنهم . ومنهم عاملون ، على درجات متفاوتة في الجد
والدأب والمثابرة ، لكنهم نمطيّون تقليديّون ، لا يملكون القدرة على
تحسين الواقع وتقديم الجديد ، فهم يكرّرون أنفسهم ، ويؤدّون إلى زيادة
في الإنتاج.ومنهم مبدعون مبتكرون مجددون يخلقون الحدث من لاشئ
يطورون الحياة يتحركون بقدر حركة الحياة . والناس إذا ثلاثة
( صنف يخلقون الحدث وصنف يشاركون في الحدث بعدما يقع وصنف يشاهدون الحدث ) .
وإذا كان وجود القاعدين الكسالى ضارّاً بالمجتمع ، فإن وجود العاملين ،
لا سيّما أصحاب الجدّ والدأب … ضروري لا تقوم الحياة بدونه .
لكن ثمّة فريقاً ثالثاً ، عليه مدار التجديد والتحسين .
إنه فريق المبدعين ،
الفريق الذي لا يكتفي بالتعامل مع ما هو موجود ، ولا بتكراره والسير
على الأنماط المألوفة ، بل يملك النزوع نحو التغيير والقدرةَ عليه ، فإذا
كان تغييراً نحو الأحسن فهو الإبداع ، وأصحابُه صنف نادر في الحياة ،
وعليه المعوّل في تحويل تيّار المجتمع نحو الأفضل .وإذا كان وجود
المبدعين مهمّاً في كل ظرف ، فإنه في ظروف الضعف والركود والإحباط
والأزمات… يكون وجودهم في غاية الأهمية ، إذ لا مخرج من الأزمات
إلا بوجود أصحاب المواهب والكفاءات المتميّزة .
حين نقرأ عن :
أبي الأَسْوَد الدُّؤَلي الذي بدأ بوضع قواعد النحو ، والخليل بن أحمد
الفراهيدي الذي استنبط بحور الشعر العربي ، والإمام الشافعي الذي وضع
أول كتاب في أصول الفقه ، وابن خلدون الذي أرسى قواعد علم الاجتماع
، وابن الهيثم ونظرياته في علم الضوء ، وابن النفيس في اكتشافه للدورة
الدموية الصغرى … وحين نقرأ عن نيوتن وجاوس وآينشتاين الذين
أبدعوا في الرياضيات والفيزياء … فإننا نتحدّث عن أنماط فريدة ، لم يكن
إنتاجها مجرّد تكرار أو تجميع ، بل هو تحويل للتيار ، كلٌّ في ميدان عمله
وإنتاجه . وليس المراد أن يأتي المبدع بشيء جديد منقطع عما قبله ،
بل أن يبني على ما سبقه ويأتي بالمزيد ، ويكون إبداعه بمقدار حجم
هذا المزيد ونوعه وقيمته .
ومع هذا يمكن التمييز بين إبداع كلّي وإبداع جزئي .
فالإمام الشافعي مثلاً وجد أمامه نتاج فقهاء مجتهدين اتّبعوا قواعد معينة
في اجتهادهم فكان له فضل السبق في استنباط هذه القواعد وضبطها
ثم جاء مِنْ بعده أصوليّون تقدّموا خطوات أخرى في علم الأصول فكان
لهم إبداعات بقَدَر ، وكان له فضلٌ في إبداعٍ أعمق وأشمل . ومثل هذا يقال
في الإبداع في أي مجال من مجالات اللغة والأدب والإدارة والسياسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق