الأحد، 28 سبتمبر 2014

المحبة في السُّنَّة النَّبويَّة و الفرق بين المحبَّة والشهوة و الفرق بين المحبَّة والعشق والفرق بين الحبِّ والودِّ





معنى المحبَّة لغةً واصطلاحًا

معنى المحبَّة لغةً:
المحبة: الحبُّ، وهو نقيضُ البغْضِ. وأصل هذه المادة يدلُّ على اللُّزوم وَالثَّبات،
واشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه، تقول:
أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ  .

معنى المحبَّة اصطلاحًا:
المحبَّة: الميل إِلَى الشَّيْء السار

وقال الراغب: 
[ المحبَّة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا ]

وقال الهروي:
[ المحبَّة: تعلق القلب بين الهمة والأنس، فِي البَذْل وَالمنْع على الإِفْرَاد ]

الفرق بين المحبَّة وبعض الصفات
الفرق بين الإرادة والمحبَّة:

أَن المحبَّة تجري على الشَّيء، ويكون المراد به غيره، وليس كذلك الإرادة،
تقول: أحببت زيدًا. والمراد أنَّك تحب إكرامه ونفعه،
ولا يقال: أردت زيدًا بهذا المعنى، وتقول: أحبُّ الله، أي: أحبُّ طاعته،
ولا يقال: أريده. بهذا المعنى، فجعل المحبَّة لطاعة الله محبَّة له،
كما جعل الخوف من عقابه خوفًا منه.
والمحبَّة أيضا تجري مجرى الشَّهوة؛ فيقال: فلان يحبُّ اللَّحم،
أي: يشتهيه، وتقول: أكلت طعامًا لا أحبه، أي: لا أشتهيه،
ومع هذا فإن المحبَّة هي الإرادة

الفرق بين المحبَّة والشهوة: 
الشَّهوة توقان النَّفس، وميل الطباع إلى المشتهى، وليست من قبيل الإرادة،
والمحبَّة من قبيل الإرادة، ونقيضها البغضة، ونقيض الحبِّ البغض،
والشهوة تتعلَّق بالملاذ فقط، والمحبَّة تتعلَّق بالملاذ وغيرها  .

الفرق بين المحبَّة والصداقة:
أنَّ الصَّداقة قوَّة المودَّة، مأخوذة من الشَّيء الصدق، وهو الصلب القوي،

وقال أبو علي رحمه الله: 
[ الصَّداقة اتفاق القلوب على المودَّة،
ولهذا لا يقال: إن الله صديق المؤمن، كما يقال: إنَّه حبيبه وخليله ]

 الفرق بين الحبِّ والودِّ: 
أن الحبَّ يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحكمة جميعًا،
والودُّ ميل الطباع فقط، ألا ترى أنَّك تقول: أُحبُّ فلانًا وأوده.
وتقول: أُحبُّ الصَّلاة. ولا تقول: أودُّ الصَّلاة.
وتقول: أودُّ أنَّ ذلك كان لي. إذا تمنيت وداده، وأودُّ الرجل ودًّا ومودة،
والودُّ الوديد، مثل الحبُّ وهو الحبيب

 الفرق بين المحبَّة والعشق: 
أن العشق شدَّة الشَّهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسان،
والعزم على مواقعته عند التَّمكُّن منه، ولو كان العشق مفارقًا للشهوة،
لجاز أن يكون العاشق خاليًا من أن يشتهي النَّيل ممَّن يعشقه،
إلَّا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها،
وهي شهوة الرجل للنيل ممَّن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر،
وأكل الطِّيب عشقًا، والعشق أيضًا هو الشَّهوة الَّتي إذا أفرطت
وامتنع نيل ما يتعلَّق بها قتلت بها صاحبها، ولا يقتل من الشَّهوات غيرها،
ألا ترى أن أحدًا لم يمت من شهوة الخمر والطَّعام والطِّيب، ولا من محبَّة داره،


أو ماله، ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق، والنيل منه .

أهمية المحبَّة

قال الرَّاغب: لو تحابَّ النَّاس، وتعاملوا بالمحبَّة لاستغنوا بها عن العدل،
فقد قيل: العدل خليفة المحبَّة يُستعمل حيث لا توجد المحبَّة،
ولذلك عظَّم الله تعالى المنَّة بإيقاع المحبَّة بين أهل الملَّة،
فقال عزَّ مِن قائل:
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }
أي: محبَّة في القلوب، تنبيها على أنَّ ذلك أجلب للعقائد،
وهي أفضل من المهابة؛ لأنَّ المهابة تنفِّر، والمحبَّة تؤلِّف،
وقد قيل: طاعة المحبَّة أفضل من طاعة الرَّهبة، لأنَّ طاعة المحبَّة من داخل،
وطاعة الرَّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها،
وكلُّ قوم إذا تحابُّوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا،
وإذا عملوا عمَّروا، وإذا عمَّروا عمَّروا وبورك لهم .

المحبة في الكتاب والسنة
أولًا: المحبة في القرآن الكريم

قال تعالى: 
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }
[ مريم: 96 ].

قال قتادة: [ ذكر لنا أنَّ كعبًا كان يقول: إنَّما تأتي المحبَّة من السَّماء.
قال: إنَّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبدًا قذف حبَّه في قلوب الملائكة،
وقذفته الملائكة في قلوب النَّاس، وإذا أبغض عبدًا فمثل ذلك، لا يملكه بعضهم لبعض ]

وقال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس في قوله: 
{ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }
قال: حُبًّا  .

وقال مجاهد، عنه: 
{ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }
قال: محبَّةً في النَّاس في الدُّنْيَا  .

وقال سعيد بن جبيرٍ، عنه: 
 { يُحبُّهم ويُحبِّبهم }
يَعنِي: إِلى خلقه الْمُؤمنين  .

وقال ابن عباس: 
[ محبَّةً في النَّاس في الدُّنيا ]

وقال مجاهد: 
[ محبَّةً في المسلمين في الدُّنيا ]

وقال مقاتل: 
[ يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم ] 

وقال جلَّ في علاه: 
{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي }
[ طه: 39 ].

قال الطبري: 
[ عن عكرمة قال: حسنًا وملاحةً، قال أبو جعفر:
والذي هو أولى بالصَّواب من القول في ذلك أن يقال:
 إنَّ اللَّه ألقى محبَّته على موسى، كما قال جلَّ ثناؤه:
{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي }
فحبَّبه إلى آسية امرأة فرعون، حتَّى تبنَّته وغذَّته وربَّته،
وإلى فرعون، حتَّى كفَّ عنه عاديته وشرَّه. وقد قيل:
إنَّما قيل: وألقيت عليك محبّةً منِّي، لأنَّه حبَّبه إلى كلِّ من رآه ]
وقال أيضًا:
[ قال ابن عبَّاس: حبَّبتك إلى عبادي، وقال الصِّدائي: حبَّبتك إلى خلقي.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسَّنت خلقك ]

وقال الشوكاني: 
[ وألقيت عليك محبَّةً منِّي أي: ألقى اللَّه على موسى محبَّةً كائنةً منه تعالى
في قلوب عباده لا يراه أحد إلَّا أحبَّه وقيل:
جعل عليه مسحةً من جمال لا يراه أحد من النَّاس إلَّا أحبَّه.
وقال ابن جرير: المعنى وألقيت عليك رحمتي،
وقيل: كلمة من متعلِّقة بألقيت، فيكون المعنى: ألقيت منِّي عليك محبَّةً،
أي: أحببتك، ومن أحبَّه اللَّه أحبَّه النَّاس ]
وعن ابن عبَّاس في قوله:
{ وألقيت عليك محبَّةً منِّي }
قال: كان كلُّ من رآه ألقيت عليه منه محبَّته 
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال: حبَّبتك إلى عبادي .

ثانيًا: المحبة في السُّنَّة النَّبويَّة

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :( جاء رجل إلى النَّبي عليه السلام فقال: يا رسول اللَّه، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم؟
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحبَّ ) 

قال ابن بطال: 
[ فدلَّ هذا أنَّ من أحبَّ عبدًا في الله، فإنَّ الله جامع بينه وبينه في جنته
ومُدخِله مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: ( ولم يلحق بهم ).
 يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى - والله أعلم –
أنه لما كان المحبُّ للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله،
وكانت المحبَّة عملًا من أعمال القلوب واعتقادًا لها،
أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل،
والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء ]

وقال النووي: 
[ فيه فضل حبِّ اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم والصَّالحين
وأهل الخير الأحياء والأموات]

قال العظيم آبادي:
[ يعني من أحبَّ قومًا بالإخلاص يكون من زمرتهم، وإن لم يعمل عملهم؛
لثبوت التَّقارب بين قلوبهم، وربَّما تؤدِّي تلك المحبَّة إلى موافقتهم،
وفيه حثٌّ على محبَّة الصُّلحاء والأخيار، رجاء اللِّحاق بهم والخلاص من النَّار ]

وقال السعدي:
[ هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل، واتباعهم بحسب مراتبهم،
والتحذير من محبة ضدهم؛ فإنَّ المحبَّة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه،
ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، فهي دليل على وجود ذلك،
وهي أيضًا باعثة على ذلك ]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم،
( أنَّ رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته،ملكًا فلمَّا أتى عليه،
 قال: أين تريد ؟
قال: أريد أخًا لي في هذه القرية،
قال: هل لك عليه من نعمة تربَّها ؟
قال: لا، غير أنِّي أحببته في الله عزَّ وجلَّ،
قال: فإنِّي رسول الله إليك، بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببته فيه ) 

قال النووي: 
[ في هذا الحديث فضل المحبَّة في اللَّه تعالى وأنَّها سبب لحبِّ اللَّه تعالى العبد ]
وأيضًا فيه: دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه..

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه  أنَّ رسول الله صلى عليه وسلم أخذ بيده، وقال:
 ( يا معاذ، واللَّه إنِّي لأُحبُّك، واللَّه إنِّي لأُحبُّك،
فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول:
اللَّهمَّ أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك )  .

قال العظيم آبادي: 
[... ( أخذ بيده ). كأنَّه عقد محبَّة وبيعة مودَّة. ( واللَّه إنِّي لأحبُّك ).
لامه للابتداء، وقيل للقسم، وفيه أنَّ من أحبَّ أحدًا يستحبُّ له إظهار المحبَّة له.
فقال: ( أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ ). إذا أردت ثبات هذه المحبَّة فلا تتركنَّ.
( في دبر كلِّ صلاة ). أي: عقبها وخلفها أو في آخرها ]

وقال ابن عثيمين: 
[ وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه،
أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبُّه،
والمحبُّ لا يدَّخر لحبيبه إلا ما هو خير له ]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 ( لا تدخلون الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا،
أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلام بينكم ) 

قال النووي: 
[ فقوله صلى اللَّه عليه وسلم:  ( ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا )
معناه: لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلَّا بالتَّحابِّ ]

وقال ابن عثيمين: 
[ ففي هذا دليل على أن المحبَّة من كمال الإيمان،
وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحبَّ أخاه،
وأنَّ من أسباب المحبَّة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه، أي يظهره ويعلنه،
ويسلم على من لقيه من المؤمنين، سواء عرفه أو لم يعرفه،
فإن هذا من أسباب المحبَّة، ولذلك إذا مرَّ بك رجل وسلم عليك أحببته،
وإذا أعرض؛ كرهته ولو كان أقرب الناس إليك ]

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
( سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله...
وذكر منهم... ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه )

فوائد المحبَّة 
1 - دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2-المحبَّة تغذِّي الأرواح والقلوب وبها تقرُّ العيون،
بل إنَّها هي الحياة الَّتي يعدُّ من حرم منها من جملة الأموات.
3-  تظهر آثار المحبَّة عند الشَّدائد والكربات.
4-  من ثمار المحبَّة النَّعيم والسُّرور في الدُّنيا،
الموصِّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
5-محبَّة النَّاس مع التَّودُّد إليهم تحقَّق الكمال الإنسانيِّ لمن يسعى إليه.
6-  محبَّة الإخوان في الله من محبَّة الله ورسوله.
7-التَّحابُّ في الله يجعل المتحابِّين في الله من الذين يستظلُّون بظلِّ الله تعالى
يوم لا ظلَّ إلّا ظلُّه.
8-لا يكتمل إيمان المرء إلَّا إذا تحقَّق حبَّه لأخيه ما يحبُّه لنفسه،
وفي هذا ما يخلِّصه من داء الأنانيَّة.
9- أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرِّضا وينعم بالرَّاحة النَّفسيَّة.

أقسام المحبَّة 
قسم بعض أهل العلم المحبَّة إلى أنواع، كابن حزم، وابن القيم،
وغيرهم من العلماء، فابن حزم قسمها إلى تسعة أنواع،

قال المحبَّة ضروب:
1- فأفضلها: محبة المتحابين في الله عزَّ وجلَّ، إما لاجتهاد في العمل،
وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان.
2-ومحبة القرابة.
3-ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب.
  4-ومحبة التصاحب والمعرفة.
5- ومحبة البر؛ يضعه المرء عند أخيه.
6- ومحبة الطمع في جاه المحبوب.
7-  ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره.
8- ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.
9- ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.
فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها،
وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها  .
وقسمها ابن القيم إلى أربعة أنواع وهي محبة الله،
ومحبة ما يحب الله، والمحبة مع الله وهي المحبة الشركية، والحب لله وفي الله،
وهي من لوازم محبة ما يحب، ثم ذكر نوعًا خامسًا، وهي المحبَّة الطبيعية،
وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء،
والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد،
 فتلك لا تُذمُّ إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته  .

وقسم الراغب الأصفهاني المحبَّة بحسب المحبين فقال: المحبَّة ضربان:
1-  طبيعي: وذلك في الإنسان وفي الحيوان...
2-   اختياري: وذلك يختص به الإنسان... وهذا الثاني أربعة أضرب:
أ- للشهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.
ب- للمنفعة، ومن جنسه ما يكون بين التجار
وأصحاب الصناعة المهنية وأصحاب المذاهب.
ج- مركب من الضربين، كمن يحبُّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبه للشهوة.
د- للفضيلة، كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبَّة باقية على مرور الأوقات،
وهي المستثناة بقوله تعالى:

{ الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ }
[ الزخرف: 67 ].

وأما الضروب الأُخر: فقد تطول مدتها وتقصر بحسب طول أسبابها وقصرها .

مراتب المحبَّة 
قسم العلماء المحبَّة إلى مراتب عديدة،
ومن هؤلاء العلماء ابن قيِّم الجوزية الذي أوصلها إلى عشر مراتب،
وهي كما يلي:

أوَّلها:
العلاقة، وسمِّيت علاقةً لتعلُّق القلب بالمحبوب.

الثَّانية:
الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.

الثَّالثة:
الصَّبابة، وهي انصباب القلب إليه، بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
الرَّابعة: الغرام، وهو الحبُّ اللَّازم للقلب، الذي لا يفارقه،
بل يلازمه كملازمة الغريم لغريمه.

الخامسة:
الوداد، وهو صفو المحبَّة.

السَّادسة:
الشَّغف يقال: شغف بكذا. فهو مشغوف به. وقد شغفه المحبوب.
 أي وصل حبَّه إلى شغاف قلبه، وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها:
أنَّه الحبُّ المستولي على القلب، بحيث يحجبه عن غيره.
الثاني:
الحبُّ الواصل إلى داخل القلب.
الثالث:
 أنَّه الحبُّ الواصل إلى غشاء القلب. والشِّغاف غشاء القلب
إذا وصل الحبُّ إليه باشر القلب.

السَّابعة:
العشق، وهو الحبُّ المفرط، الَّذي يخاف على صاحبه منه.

الثامنة:
التَّتيُّم، وهو التَّعبُّد، والتَّذلُّل. 

التَّاسعة:
التَّعبُّد وهو فوق التَّتيُّم، فإنَّ العبد هو الذي قد ملك المحبوب رقَّه،
فلم يبقَ له شيء من نفسه ألبتَّة، بل كلُّه عبد لمحبوبه ظاهرًا وباطنًا،
وهذا هو حقيقة العبوديَّة. ومن كمَّل ذلك فقد كمَّل مرتبتها.

العاشرة:
مرتبة الخلَّة الَّتي انفرد بها الخليلان، إبراهيم ومحمَّد صلى اللَّه عليهما وسلم.

الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها

للمحبة أسباب جالبة لها، توجب لك المحبَّة في قلوب الآخرين؛
نذكر منها ما يلي:

1-خدمة الآخرين والسعي لمنفعتهم.
2- تقديم الهدية للآخرين.
3 -التواضع للآخرين.
4 - الإحسان إلى الآخرين.
5-التحلِّي بصفة الصمت.
6-البشاشة والابتسامة.
7-البدء بالسلام.
8 - الجود والكرم.
9 -الابتعاد عن الحسد.
10-التعامل بصدق وأمانة.
11- الوفاء بالعهد.
12 - زيارة الآخرين وتفقد أحوالهم.
13 - إنزال الناس منازلهم.
14 - الالتزام بالأخلاق الإسلامية.

وقال ابن حمدون:

[ عشر يورثن المحبَّة: كثرة السَّلام، واللطف بالكلام، واتباع الجنائز،والهدية، وعيادة المرضى، والصدق، والوفاء، وإنجاز الوعد، وحفظ المنطق،وتعظيم الرِّجال ]

نماذج في المحبَّة
نماذج تطبيقية من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه :
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال:

( يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك،
فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة
تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) 

 وعن أنس رضي الله عنه قال:
رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم النِّساء والصِّبيان مقبلين -قال:
حسبت أنَّه قال: من عرس- فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فقال:

( اللهمَّ أنتم من أحبِّ النَّاس إليَّ قالها ثلاث مرار )  .
وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه :
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( يا أبا ذرٍّ، إنِّي أراك ضعيفًا، وإنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي،
 لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم )
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 ( حُبِّب إليَّ: النِّساء والطِّيب، وجعل قرَّة  عيني في الصَّلاة )

وعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما حدَّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:
 أنَّه كان يأخذه والحسن فيقول:( اللهمَّ أحبَّهما فإنِّي أحبُّهما ) 
وعن عائشة رضي الله عنها : 
[ أنَّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ حزبين:
 فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيَّة وسودة،
والحزب الآخر أمُّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وكان المسلمون قد علموا حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة،
 فإذا كانت عند أحدهم هديَّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخَّرها، حتَّى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة
بعث صاحب الهديَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة،
فكلَّم حزب أمِّ سلمة فقلن لها: كلِّمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّم النَّاس
فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديَّة
فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلَّمته أمُّ سلمة بما قلن،
 فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: فكلِّميه.
قالت: فكلَّمته حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا.
فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا.
فقلن لها: كلِّميه حتَّى يكلِّمك. فدار إليها فكلَّمته، فقال لها:

( لا تؤذيني في عائشة؛ فإنَّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة
 إلَّا عائشة.
قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله.
ثمَّ إنَّهنَّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول:
إنَّ نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر. فكلَّمته،
فقال: يا بنيَّة، ألا تحبِّين ما أحبُّ؟
قالت: بلى. فرجعت إليهنَّ فأخبرتهنَّ،
فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع...)

ومن المحبَّة النافعة الحبُّ في الله، فتكون العلاقات بين الناس
والحب لا لأجل القرابة فحسب، ولا لأجل توافُق الطباع
وارتِياح كلِّ شخصٍ للآخَر.
فالمؤمن يُحَبُّ لأجل إيمانه، لا لصنف ولا لِلونٍ ولا لبلد مُعيَّن،
وإنما يُحبُّ في الله ولله، حتى نسمع عن الرجل الصالح أو المرأة الصالحة،
فتحبّهم قلوبُنا وإنْ لم نعرف أشخاصهم.
أخي الحبيب، تأمَّل حديثَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -

في "صحيح مسلم" جاء عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:

( أنَّ رجلاً زار أخًا له في قريةٍ أخرى،
فأرصد الله له على مَدرَجَتِه ملَكًا، فلمَّا أتى عليه
قال: أين تريد؟
قال: أريد أخًا لي في هذه القرية،
قال: هل لك عليه من نعمةٍ تربُّها ؟
قال: لا، غير أنِّي أحبَبتُه في الله - عز وجل –
قال: فإنِّي رسولُ الله إليك بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه )
 رواه مسلم.
أين نحن من هذا الحديث؟ رجلٌ يزور أخًا له في الله،
وليس من أجل مصلحةٍ أو مالٍ، يزوره من أجل المحبَّة في الله،
المحبَّة التي افتَقدَها وضيَّعَها كثيرٌ من الصالحين وطلاَّب العلم.
تقدم الخدمة أو المصلحة اليوم من أجل مصلحة، أو معرفة، أو قرابة،
 لماذا ابتعدنا عن منهج نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - وسلفنا الصالح؟أخي الحبيب، قال - عليه الصلاة والسلام -:

( إنَّ الله يَقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟
اليوم أظلُّهم في ظلِّي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي )
 رواه مسلم.
وقال - عليه الصلاة والسلام -:

( قال الله - عزَّ وجلَّ -: المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نورٍ،
يغبطهم النبيُّون والشهداء )
رواه الترمذي وصحَّحه.
وحَدَّث أبو مسلم الخولاني فقال:

[ دخَلتُ مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من أصحاب
النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإذا فيهم شابٌّ أكحل العينين،
برَّاق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم في شيءٍ، أقبلوا عليه فسألوه،
فقلت لجليسٍ لي: مَن هذا؟
قال: هذا معاذ بن جبل، فوَقَع له في نفسي حبٌّ،
فكنتُ معهم حتى تفرَّقوا، ثم هجَّرت إلى المسجد،
فإذا معاذ بن جبل قائم يُصلِّي إلى ساريةٍ، فسكتَ لا يُكلِّمني،
فصلَّيتُ ثم جلَستُ فاحتبيت برداءٍ لي، ثم جلَس فسكتَ لا يكلمني،
وسكتُّ لا أكلِّمه،
ثم قلت: والله إني لأحبُّك،
قال: فيمَ تحبُّني؟
قال: قلت: في الله - تبارك وتعالى - فأخذ بحبوتي فجرَّني إليه هنيَّة،
ثم قال: أبشرْ إنْ كنت صادقًا؛
سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول:

 ( المتحابُّون في جلالي لهم منابرُ من نورٍ، يغبطهم النبيُّون والشُّهداء )
 قال أبو مسلم: فخرَجتُ فلقيت عبادة بن الصامت،
فقلت: يا أبا الوليد، ألاَ أحدِّثك بما حدَّثني معاذ بن جبل في المتحابين؟
قال: فأنا أحدثك عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم –
يرفعه إلى الرب - عزَّ وجلَّ - قال:

( حقَّتْ محبَّتي للمتحابين فيَّ، وحقَّتْ محبتي للمتزاورين فيَّ،
وحقَّتْ محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقَّتْ محبتي للمتواصلين فيَّ )
رواه الإمام أحمد.
ويجب أنْ تكون المحبَّة بين المتحابين خالصةً لله؛
ولذا قال - عليه الصلاة والسلام -:

( لا تُصاحب إلا مُؤمِنًا )
 رواه أبو داود والترمذي،
فإنَّ المحبَّة إذا كانت خالصةً لله - عزَّ وجلَّ –
نفعَتْ صاحبَها وحُشِر مع مَن أحبَّ.
تأمَّل هذه الأقوال الجميلة: آيات الله، وأحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم
وأقوال سلف الأمَّة، تُعطِك دليلاً على واقعيَّتها ومصداقيَّتها.أخي الحبيب:مَن الذي أعانك على الالتزام والدخول في عالم الهداية؟
من الذي يُثبِّتك على طريق الاستقامة في خضمِّ هذه الفتن؟
مَن الذي تبثُّ إليه همومك؟
مَن الذي يقف معك عند النكبات والأزمات؟
لذلك قال عمر:

[ لقاء الإخوان جلاء الأحزان ]إذًا كيف يَطِيبُ لعاقلٍ أنْ يقطع أواصر الأخوَّة والمحبَّة،
ليعيش حياة الهموم والغموم،
بعيدًا عن فضائل الأخوَّة والمحبَّة في الله ونتائجها العظيمة ؟!

حكم وأمثال في المحبَّة

أفضل المحبَّة ما كان بعد المعتبة 
وقالوا: لا يكن حبُّك كلفًا، ولا بغضك سرفًا  .
أبرُّ من الْهِرَّة: قَالُوا لِأَنَّـهَا تَأْكُل أَوْلَادهَا من المحبَّة  .
قَوْلهم: من يبغ فِي الدِّين يصلف: مَعْنَاهُ من يطْلب الدُّنْيَا بِالدِّينِ
لم يحظ عِنْد النَّاس وَلم يُرْزق مِنْهُم المحبَّة  .
وقيل: أغلب المحبَّة ما كان عن تشاكل


المحبَّة في واحة الشعر

قــال ابــن زهــر الــحـفـيـــد :
يــــا مَــــن يُــذكِّــرنــي بــعــهــد أحــبَّــتــي
طــــاب الــحــديــثُ بــذكــرهــم ويــطــيــبُ
أعِـــدِ الـحــديــثَ عــلــيَّ مــــن جـنــبــاتِــه
إنَّ الـحــديــث عـــن الـحــبــيــب حــبــيــبُ
مــلأ الـضـلــوع وفــاض عــن أحـنـائــهــا
قـــلـــبٌ إذا ذكــــــر الــحــبــيـــب يــــــذوبُ
مــــا زال يــضـــرب خــافــقًــا بـجــنــاحــه
يــا لـيــت شـعــري هـــل تـطــيــر قــلــوب

وأنــشـــد بــعــضـهـم :
والله مـــا طـلــعــت شــمــسٌ ولا غــربـــت
إلا وحــــبُّــــك مــــقــــرونٌ بــأنـــفـــاســـي
ولا جــلــســـتُ إلـــــى قــــــومٍ أُحــدِّثُـــهـــم
إلا وأنــــت حــديــثـــي بـــيـــن جُـــلَّاســـي

وقـــال آخـــر:
يَـا مـنـيـة الْـقـلـب مَـا جـيـدي بـمـنـعـطـف
إِلَــــى ســواكـــم ولا حَــبْــلِـــي بــمــنــقــاد
لــولا الـمـحـبَّــة مــا اسـتـعـمـلــت بـارقــة
وَلَا سَــأَلـــت حــمـــام الــــدوح إســعـــادي
ولا وقــفـــت عــلـــى الــــوادي أســائــلــه
بـالـدمـع حَـتَّـى رثـى لـي سَـاكــن الْــوَادي

وقـال أبــو تــراب الــنــخــشــبـــي:
لا تـــخـــدعــــنَّ فــلــلــمـــحـــبِّ دلائـــــــــلُ
ولـديــه مــن تـحــفِ الـحـبــيــبِ وســائــلُ
مـــنـــهـــا تــنــعـــمُـــه بــــمــــرِّ بــــلائـــــه
وســـروره فـــي كــــلِّ مــــا هــــو فــاعـــلُ
فـالــمــنــعُ مـــنـــه عــطــيـــةٌ مــقــبــولــةٌ
والـــفـــقـــر إكـــــــرام وبـــــــرٌّ عــــاجـــــلُ
ومـــن الــدلائــل أن يـــرى مـــن عــزمـــه
طــــوع الــحــبــيــب وإن ألـــــحَّ الـــعـــاذلُ
ومــــن الــدلائـــل أن يُــــرى مـتــبــسِّــمًــا
والـقــلــب فــيــه مـــن الـحـبــيــب بــلابــلُ
ومــــن الــدلائـــل أن يُـــــرى مـتــفــهــمًــا
لــكــلام مـــن يـحــظَــى لــديـــه الــســائــلُ
ومــــن الــدلائـــل أن يُـــــرى مـتــقــشــفًــا
مـتـحـفــظًــا مـــن كـــلِّ مــــا هــــو قــائـــلُ
  
نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )

اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )

و الله الموفق )

 

منقول من ايميلات بيت عطاء الخير
جزاهم الله عنا وعن كل من انتفع به خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق