هذا سؤال طالما كرره بعض القراء :
لماذا نحس بأننا لا نعبد الله كما يجب ؟
ولماذا لا نشعر بأن إيماننا يزداد ؟ ولماذا لم نعد نحسّ بلذة العبادة ؟
هذه أسئلة نحاول الإجابة عنها ...
أسئلة كثيرة تصلني من خلال البريد الإلكتروني حول هذه الظاهرة
( ظاهرة عدم الإحساس بالتقوى وحلاوة الإيمان
والشعور بالبعد عن الله عز وجل )
ومع أن كل مؤمن يتمنى أن يكون قريباً من ربه سبحانه وتعالى ،
ولكن يجد نفسه وسط مجتمع وكأن الأمواج تتقاذفه فلا يعرف كيف يتوجه ،
بل يحس نفسه وكأنه منقاد إلى المجهول .
والحقيقة
أنني عندما فكرت بهذه المشكلة وبحثت عن جذورها
وجدت أشياء أساسية هي سبب هذا الشعور .
أهم شيء هو أننا بعيدون عن القرآن ،
والقرآن ببساطة هو الكتاب الذي يتحدث عن الله ،
فنحن لن ندرك الله بأبصارنا ولا عقولنا ولا بأي وسيلة ،
لأنه سبحانه ليس كمثله شيء. ولكن من رحمة الله بنا أنه جعل كتابه بيننا ،
فإذا أردنا أن نكون قريبين من الله فعلينا أن نقترب أكثر من كتابه .
ولكن كيف نقترب من القرآن ؟
العلاج بسيط : أن نفهم القرآن ،
وهنا نجد صدى للنداء الإلهي الرائع للبشر جميعاً :
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }
[ النساء : 82 ]
ولو رجعنا لسيرة الأنبياء عليهم السلام وجدنا أنهم يطلبون من ربهم
أن يريهم آياته ومعجزاته ليزدادوا يقيناً وإيمانا ً.
فهذا هو سيدنا إبراهيم يخاطب ربه بقوله :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }
[ البقرة : 260 ]
إذن يطلب المزيد من الاطمئنان والإيمان .
وفي مناسبة أخرى نجد أن الله يوحي لإبراهيم أن يتأمل في السماء والأرض،
لماذا ؟ , ليزداد يقيناً بالله تعالى ،
يقول تبارك وتعالى :
{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }
[ الأنعام : 75 ]
ولذلك يا أحبتي :
هل تشعرون بالحاجة لتأمل خلق الله ؟ هل تحسّون دائماً
بأنه يجب عليكم أن تحفظوا كتاب الله وتتدبّروا آياته ؟
وهل تعتقدون في داخلكم أن القرآن هو أهم شيء في حياتكم ؟
ظن بأن الإجابة لا ! لأن الإجابة لو كانت بنعم فليس هناك مشكلة ،
المشكلة أن ظروف الحياة وهموم المجتمع والمشاكل السياسية والاقتصادية
والاجتماعية قد شغلت بالكم وأخذت حيزاً كبيراً من تفكيركم ،
ولم يعد هناك خلية واحدة في دماغكم تتسع لعلوم القرآن أو علوم الكون .
لذلك إخوتي وأخواتي !
أقول لكم ينبغي قبل كل شيء أن تغيروا نظرتكم إلى هذا القرآن ،
ينبغي أن تعيشوا في كل لحظة مع القرآن ،
فأنا درَّبتُ نفسي على ذلك حتى أصبحت أحس بسعادة لا توصف .
تخيلوا أن إنساناً عندما يرى أحلاماً تكون حول القرآن ،
وعندما يستيقظ من نومه يفكر في كلام الله ،
وعندما يجلس في أي مكان يرى من حوله أشياء تذكره بالله تعالى .
هل تتصورون
أن مثل هذا الإنسان يمكن أن تصيبه الهموم أو المشاكل ؟
والله تعالى ينادي ويقول :
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }
[ العنكبوت : 69 ]
اعلم أيها الأخ الحبيب ، وأيتها الأخت الفاضلة :
أن مجرد الاستماع إلى القرآن هو جهاد في سبيل الله !
وأن مجرد التأمل في خلق الله هو جهاد أيضاً ، وأن تدبر القرآن هو جهاد ،
واعلم أن أكبر أنواع الجهاد على الإطلاق الجهاد بالقرآن .
كيف ؟
أن تتعلم آية من القرآن مع تفسيرها وإعجازها
ثم توصلها إلى من يحتاجها من المؤمنين أو غيرهم !
هذا هو الجهاد الذي أمر الله نبيه بتطبيقه في بداية دعوته إلى الله
فقال له :
{ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا }
[ الفرقان : 52 ]
قال ابن عباس : ( أي بالقرآن ) .
وكيف يكون الجهاد بالقرآن ؟
من خلال تعلم معجزاته وعجائبه وإيصالها للآخرين ،
حاول أن تتعلم كل يوم آية واحدة فقط مع تفسيرها العلمي ،
بما أننا نعيش في عصر العلم ،
ثم فكر بطريقة إيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس .
وانظر ماذا ستكون النتيجة ؟!
إن الإحساس بأنك كنت سبباً في هداية إنسان هو أهم إحساس تمر به ،
فهو يعطيك نوعاً من القوة والثقة بالنفس ،
بل ويعطيك قدرة خفية على النجاح في الحياة، وهذا الكلام عن تجربة طويلة.
إن علماء النفس اليوم
يعترفون بأن معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها كثير من الناس
إنما سببها " عدم الرضا " عدم الرضا عن الواقع ،
عدم الرضا عن المجتمع ،
عدم الرضا عن الزوجة أو الزوج أو الرزق أو الحالة الصحية ....
ويؤكد العلماء " علماء البرمجة اللغوية العصبية " :
أن الأفراد الأكثر رضاً عن أنفسهم وواقعهم هم الأكثر نجاحاً في الحياة .
والعجيب أخي القارئ : أن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام
علمنا كيف نرضى ونقنع أنفسنا بالرضا كل يوم !
فقد كان النبي يقول :
( رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً )
من قالها حين يمسي وحين يصبح
كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة ! سبحان الله !
فإذا كان الله سيرضي قائل هذه الكلمات يوم القيامة
وهو في أصعب المواقف ، ألا يرضيه في الدنيا ؟
وتأملوا معي كيف يركز النبي عليه الصلاة والسلام
على فترة المساء والصباح ( حين يمسي وحين يصبح ) .
لماذا ؟
لقد كشف علماء النفس أن العقل الباطن يكون في أقصى درجات الاتصال
مع العقل الظاهر قبيل النوم وبعيد الاستيقاظ ، ولذلك
فإن هاتين الفترتين مهمتين جداً في إعادة برمجة الدماغ والعقل الباطن .
وعندما نردد هذه العبارة :
( رضيت بالله تعالى رباً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً،
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً )
إنما نعطي رسالة لدماغنا بضرورة الرضا عن النفس وعما قسمه الله لنا ،
فالرضا بالله يعني : الرضا بكل ما قدره الله من رزق وقضاء وقدر
وغير ذلك من أحداث تتم معنا في حياتنا اليومية .
والرضا عن الدين الذي اختاره الله لنا وهو الإسلام يعني : الشيء الكثير ،
فهو يعني : أننا سنكون من الفائزين يوم القيامة إن شاء الله ،
وأن مشاكل الدنيا مهما كانت كبيرة
فإنها تصبح صغيرة بأعيننا إذا تذكرنا نعمة الإسلام علينا
وإذا تذكرنا أن الإسلام لا يأمرنا إلا بما يحقق لنا السعادة ،
وهذا يعني : أننا ينبغي أن نلتزم بتعاليم هذا الدين الحنيف .
إن الرضا عن كتاب الله تعالى يعني أن نقتنع بكل ما جاء فيه ،
وأن تصبح آيات القرآن جزءاً من حياتنا وأن نرضى به شفاء لنا ،
يقول تعالى :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }
[ يونس : 57 ]
ويعني أن نفرح برحمة الله تعالى :
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }
[ يونس : 58 ]
والرضا عن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يعني :
أن نرضى به نبياً ورسولاً ورحمة وشفاء لنا ،
ويعني كذلك : أن نطبق كل ما أمرنا به عن قناعة ومحبة
وأن ننتهي عن كل ما نهانا عنه .
بالنتيجة أحبتي :
إذا أردتم أن تشعروا بالسعادة في كل لحظة من حياتكم ،
فما عليكم إلا أن تتوجهوا إلى الله بإخلاص ،
أن تتوكلوا على الله في كل أعمالكم ، أن تسلموا الأمر كله لله ،
وأن تضعوا همومكم ومشاكلكم بين يدي الله تعالى فهو القادر على حلها .
أن تحسوا بأن الله قريب منكم بل أقرب من أنفسكم إليكم ،
أن تغيروا نظرتكم إلى الله تعالى وتقدّروا هذا الخالق العظيم حقّ التقدير ،
أن تستيقنوا بأن الله يرى كل حركة تقومون بها
ويسمع كل همسة أو كلمة تتحدثون بها ويعلم كل فكرة تدور في رأسكم .
هذا هو بنظري الطريق نحو الرضا عن النفس ,
والرضا عن الله , والسعادة الحقيقية ،
وسوف تصبح كل عبادة تقومون بها هي مصدر للسعادة ،
وسوف تصبح كل آية تقرؤونها مصدراً لحلاوة الإيمان .
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
بقلم المهندس / عبد الدائم الكحيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق