الأحد، 17 أغسطس 2014

حقوق الطفل في القرآن الكريم


1. حقه في والدين صالحين:
لعل من أهم حقوق الطفل على أبيه أن يختار له أُمًا صالحة، وعلى أُمه أن
تختار له أبًا صالحًا يتقي الله في تربيته. ويرجع ذلك إلى التأثير العظيم
للوالدين في أبنائهم، سواء عن طريق التأثير الوراثي أو البيئي، وكما هو
معلوم أن الولد يتقمص شخصية أبيه والبنت تتقمص شخصيه أُمها.
وقال تعالى:

{ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ
وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }
[النور: 3]

ثم قال تعالى:

{ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا
كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }
[الأعراف: 58].

وقال تعالى:

{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ
إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
[الطور: 32].

وقال تعالى:

{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَاأَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا }
[النساء: 34].

والقانتات: المطيعات للأزواج يحفظن الأزواج في غيابهم وفي أولادهم
وأموالهم وأنفسهم؛

وقال تعالى:

{ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ
وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
[النور: 26].

وقال تعالى:

{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ
وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ
نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
[النساء: 25 ].
2. حقه في الحياة:
حرم الله تعالى قتل النفس بصفه عامة فقال:

{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ
أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا
وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا
وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }
[المائدة: 32]

ثم اختص بيان حرمة قتل الأولاد، ليبين سبحانه وتعالى عظيم رحمته
واهتمامه بهذا الوليد الذي لم يرتكب جرمًا ولم يقترف إثمًا، وللتأكيد على
أن قتل هذا الوليد عقوبته من أغلظ العقوبات، وأيضًا للإشعار بأن هذا
الوليد كائن مستقل يجب أخذه في الاعتبار وأن يعامل على أساس أنه
إنسان جديد؛

قال تعالى:

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ 
  وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
[الأنعام: 151]

وقال تعالى:

{ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ
إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا }
[الإسراء: 31].
3. حق الطفل في التسمية:
من شأن كل شيء في هذا الوجود أن يكون له اسم يعرف به، فما بالك
بالإنسان الذي سخر الله له كل شيء في هذا الكون، فلا بد له من اسم
يعرف به في الدنيا وفي الملأ الأعلى، ومن ثم فإن هذا الاسم له تأثير كبير
في جوانب شخصية الطفل المسلم، لذلك فمن حق الطفل على أبويه أن
يختاروا له اسم حسن يعرف به. ويتضح لنا أحقية الطفل في التسمية
من خلال قوله تعالى:

{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ
وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }
[آل عمران: 35، 36].

ها هي امرأة عمران تهب ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، على أنه ذكر
فلما وضعت وضعت أُنثى ورغم أن وضعها جاء على خلاف ما كانت
تتمنى إلا أنها لم تغفل حقها في التسمية فاختارت لها اسمًا
حسنًا (مريم)، أي العابدة.

وقال تعالى

{ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }
[مريم: 7].

يبشر الله تعالى زكريا بغلام ويختار له اسمًا لم يسمى به أحد قبله.
4. حقه في الرضاعة التامة:
أوجب لله تعالى على الأم أن ترضع صغيرها حولين كاملين وهي مدة
الرضاعة التامة،
قال تعالى:

{ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا
لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا
وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
[البقرة: 233].

وقد اتفق فقهاء الإسلام على أن الرضاعة واجب على الأم ديانة تسأل
عنها أمام الله تعالى، حفاظًا على حياة الرضيع سواء كان ذكرًا أم أُنثى
وسواء أكانت الأم متزوجة بأبي الرضيع، أم مطلقة منه وانتهت عدتها
(الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلى 7/700).

قال صاحب الظلال:
"إن على الوالدة المطلقة واجبًا تجاه طفلها الرضيع، واجبًا يفرضه الله
عليها ولا يتركها فيه لفطرتها وعاطفتها التي قد تفسدها الخلافات
الزوجية، فيقع الغرم على الصغير، إذن يكفله الله ويفرض له في عنق
أمه، فالله سبحانه أولى بالناس من أنفسهم، وأبرهم وأرحمهم من
والديهم، والله تعالى يفرض للمولود على أمه أن ترضعه حولين كاملين
لأنه سبحانه يعلم أن هذه الفترة هي المثلى من جميع الوجوه الصحية
والنفسية للطفل أو الطفلة. وتثبت البحوث الصحية والنفسية اليوم أن
فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نموًا سليمًا من الوجهين الصحية
والنفسية، ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا
هذا من تجاربهم، فالرصيد الإنسانى من ذخيرة الطفولة لم يكن ليترك
يأكله الجهل كل هذا الأمر الطويل، والله رحيم بعباده وبخاصة بهؤلاء
الصغار الضعاف المحتاجين للعطف والنهاية
(في ظلال القرآن- سيد قطب 1/253).
5. حقه في الإحسان وعدم الغلظة والشدة:
تعد القسوة من أهم أسباب الإغراق عند الأطفال، فالقسوة والشدة على
الصغار تأتي بنتائج عكسية على سلوكهم، تؤدي إلى اضطرابات نفسية
كما تؤدي أيضًا إلى الشعور بالنقص. فالقسوة والغلظة تؤديان إلى نفور
الطفل من المربي وكرهه وعدم الثقة فيما يقوله،
استمع إلى قوله تعالى:

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمرِ
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }
[آل عمران: 159]

يقول بن خلدون:
"من كان رباه العسف والقهر، حمله ذلك على الكذب والخبث وهو
التظاهر بغير ما في ضميره خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر ذلك علمًا
عليه، وعلمه المكر والخديعة وصارت له هذه العادة خلقًا وفسدت معاني
الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة
عن نفسه، وصار عيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب
الفضائل والخلق الجميل، فينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في والده
ألا يستبد عليهما في التأديب"
(مقدمة بن خلدون/540).

ويقول الغزالي:
"ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين، فإنه يهون عليه سماع
الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظًا
هيبته عند الكلام معه فلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأدب وتزجره
عن القبائح
(إحياء علوم الدين 3/70).

ومتى ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود، فينبغي أن يكرم عليه،
ويجازى بما يفرح به، ويمدح به بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في
بعض الأحوال تغوفل عنه ولا يكاشف، فإن عاد عوتب سرًا وخوف من
اطلاع الناس عليه، ولا يكثر عليه العتاب لأن ذلك يهون عليه سماع
الملامة وليكن حافظًا هيبة الكلام معه
(إحياء علوم الدين 3/95).

ولقد حث نبينا صلى الله عليه وسلم إلى الرفق
ونبذ العنف فقال صلى الله عليه وسلم

( يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق،
ولا يعطي على العنف )
(مسلم/ 2593).
6. حقه في العدل والمساواة بينه وبين إخوته:

قال تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ
وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
[ المائدة: 8]

. وقال تعالى:

{ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[الأنعام:152- 157].

أمر الله سبحانه المؤمنين بالعدل حتى مع الأعداء، فما بالنا مع الأبناء
الصغار، فالظلم وعدم المساواة يولد في نفس الطفل شعور بالاضطهاد
والظلم، فيدمر في نفسه القاعدة التي تبنى عليها في المستقبل القيم العليا
والمبادئ، لأنه يجد في أقرب الناس إليه وألصقهم به وهما الوالدان
نموذجًا سيئًا، فكيف يتعلم هو العدل، وكيف يتعلم بقية القيم والمبادئ
التي يقوم عليها الإسلام (محمد نور سويد، 1997، علم أطوار الإنسان
ص137). فقد أثبتت الدراسات النفسية أن ظهور اضرابات نفسية
واجتماعية على الطفل يرجع معظمها إلى إحساسه بالعدل والمساواة مع
أقرانه أو عدمه. وليس أدل على ذلك مما ورد في القرآن الكريم في قصة 
  سيدنا يوسف مع إخوته، تأمل سلوك إخوة يوسف عليه السلام الناتج
عن حب أبيهم ليوسف عليه السلام وتفضيله عليهم، يتضح لك أن عدم
المساواة بين الإخوة له تأثير عظيم على انفعالاتهم ومن ثم سلوكهم.
قال تعالى:

{ لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ *
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ *
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ
وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ }
[يوسف: 7- 9].

وكما يقول شيخ الإسلام بن تيمية:
"إن الله ينصر الدولة الظالمة مع العدل، ولا ينصر الدولة المسلمة مع
الظلم"، ولذلك فالجو المنزلي الذي يسود فيه شعور المحبة والمساواة
ينتج أطفالًا منضبطين سلوكيًا، مستقرين سلوكيًا، والجو المنزلي الذي
يسود فيه شعور الاضطهاد والظلم ينتج عنه أطفالًا مضطربين في
انفعالاتهم، شاذين في سلوكهم.
والسنة النبوية الشريفة مليئة بالأحاديث
التي توضح ذلك ومن هذه الأحاديث
قوله صلى الله عليه وسلم:

( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم )
(البخارى ج3 كتاب الهبة).
7. حقه في التوجيه والإرشاد:
أثبتت الدراسات التربوية أن البيئة لها تأثير بالغ على شخصية الطفل
حيث إنه يكتسب سلوكياته وقيمه ومعتقداته من بيئته تؤثر فيه ويتأثر
بها، من خلال التفاعل الإيجابي المستمر بينه وبين مكونات بيئته. ولهذا
أولى القرآن الكريم موضع التوجيه والإرشاد عناية فائقة، ولو رجعنا إلى
كتاب الله عز وجل وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لوجدنا أن أكثر الأمور ذكرًا فيها بعد العقيدة موضوع الآداب والسلوك
الاجتماعي فقد ندر أن تخلو سورة من السور المكية من واجبات
اجتماعية تلزم بالحرص عليها والالتزام بآدائها، وأما السور المدنية
فمنها سور كاملة ذات اهتمام للسلوك الاجتماعي
(ص91 رعاية الطفولة د/ عبد القوي عبد الغني).

ولنا في الأنبياء والرسل أسوة حسنة وفي قصصهم عبرة وفي كلامهم
عظة، فقد ساق الله تعالى لنا ما يدلنا على أهمية الإرشاد والتوجيه من
خلال مواقف الأنبياء منها قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام:

{ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ }
[يوسف: 5].

وقول لقمان الحكيم في قوله تعالى:

{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }
[لقمان: 13].

فهذا أب حكيم يوجه ابنه ويرشده إلى ما فيه سعادته وصلاحه في الدارين.
كذلك ينبغي للمربي أن يحرص وهو يمارس التوجيه أن يذكر للصغير
الأسباب والعلل، فالصغير يتسائل لمَ هذا ولماذا ذلك ولمَ ينهاني والدي
عن ذلك ويأمرني بذلك.

هذا هو ما علمنا إياه ربنا تبارك وتعالى، فالمتبع للتوجيهات والإرشادات
من أوامر ونواهي في الكتاب العزيز يجد أن الله سبحانه بعد ما يأمرنا
بشيء أو ينهانا عن شيء يوضح الغاية والعلة من وراء ذلك وهو غني
عن ذلك لأنه الإله الذي يأمر فيطاع، ولكن ليعلمنا ولتطمئن قلوبنا، اقرأ
على سبيل المثال أول سورة في القرآن أمرنا الله بالحمد بصيغة الخبر
ثم بين وهو استحقاقه سبحانه الحمد لأنه الرحمن الرحيم مالك يوم الدين
تبارك الله وتعالى. ففي الآية الأولى يبين يعقوب عليه السلام قصده من
نهي ولده يوسف أن يقصص رؤياه على إخوته حتى لا يكيدوا له،
وكذلك فعل لقمان مع ابنه.
8. حق الطفل في اللعب:
يعتبر اللعب بمثابة الشغل الشاغل بالنسبه للصغار، فحياتهم كلها في اللعب
ويكون اللعب بالنسبه له موجهًا للتكيف الاجتماعي والانفعالي، حيث يتسم
الطفل الذي يحرص على اللعب والمرح بالصحة النفسية الجيدة. واللعب
ظاهرة نمائية اجتماعية لها تأثير مباشر على نمو الطفل الاجتماعي
والخلقي وتأهيلهم لعالم الكبار، وهو جزء لا يتجزأ من حياته، فلا ينبغي
أن يستهان به ويضيق على الطفل فيه فيحدث تصادم بين ذلك وبين ما
فطروا وجبلوا عليه. ويتضح لنا أهمية ظاهرة اللعب في حياة الطفل ومدى
حقه فيه، بالنظر في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، حيث كان
يعقوب عليه السلام يولي يوسف عناية ورعاية لما علم من أمره، ولما
تنبأ به من حالهم وموقفهم منه في حال علمهم بأمر الرؤيا، فخاف عليه
منهم، ولم يتركه لهم، ولم يأمنهم عليه مثل باقي إخوته، وعندما استحوذ
عليهم الشيطان وقرروا التخلص من أخيهم غيرة وحسدًا دبروا أمرهم
وأحكموا خطتهم، لم يبق أمامهم الا إقناع أبيهم بأخذه معهم مع علمهم
المسبق برفضه، احتالوا على أبيهم وعرضوا عليه أنه سيلعب ويرتع
معهم إذا هو تركه لهم
قال تعالى:

{ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ *  
 أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }
[يوسف: 11- 13]

. فما كان يعقوب ليترك يوسف مع إخوته إلا لهدف عظيم وغايه نبيلة
مؤثرة في إعداده وتنشئته.

يقول الغزالى في الإحياء:
"يحسن له بعد خروجه من المكتب إن يفسح له في لعب جميلًا يستريح
إليه من تعب المكتب بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب
وإرهاقه إلى التعلم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش
حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأسًا".

وقد وردت أحاديث كثيره تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاطف الأطفال
ويلاعبهم ويكفل لهم حقهم في اللعب، وكذلك فعل الراشدون وسائر
الصحابة من بعده ومن ذلك، أنه صلى الله عليه وسلم مر على نفر
من أسلم ينضلون فقال:

( ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان»
فأمسك أحد الفريقين عن الرمي فقال صلى الله عليه وسلم:
«ارموا وأنا معكم كلكم )
(البخاري 2899، رواه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه).

كما أنه يمكن عن طريق اللعب أن تبث فيهم الأخلاق الحسنة كالصدق
والأمانة، وتحزرهم من الأخلاق الذميمة كالكذب، والخيانة، والغش،
والألفاظ البذيئة ونحو ذلكإذن لا بد أن يتيح الوالدين للطفل حرية اللعب،
حيث أن اللعب نشاط جسمي وذهني وانفعالي يشمل نفسية الطفل وحياته
العامة، واللعب طبيعة فطرية في الطفل، جعلها الله تعالى غريزة في نفسه
لكي ينمو جسمه نموًا طبيعيًا بشكل قوي، فاللعب يطور عقليته وينمي
ذكائه ويساهم في بناء جسده، ولذا ينبغي أن ينظر المربين إلى اللعب
على أساس أنه ضروري للطفل.
9. حقه في الإنفاق عليه:
ومن مظاهر رعاية القرآن الكريم للطفل، أوجب على أبيه أن ينفق عليه
حتى يقوى ويشتد عوده
قال تعالى:

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى . لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا
سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }
[ الطلاق: 6، 7]

وعن أبي هريرة قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:

( أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من اليد السفلى
وابدأ بمن تعول؛ تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني
ويقول العبد: أطعمني واستعملني ويقول الابن: أطعمني
إلى من تدعني؟ )
فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: لا هذا من كيس أبي هريرة
(البخارى 5355). وقد أورد الأمام البخاري بابًا كاملًا
في فضل النفقة على الأهل (ارجع إليه إن أردت الاستزادة).
10. حقه في الإنفاق على أُمه أثناء حمله:
لعل هذا الحق هو أسمى وأجل الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل فحاشا لله
أن يغفل عن إظهار حق من حقوق الطفل حتى وهو في بطن أُمه، حتى
وإن كانت مطلقة.
قال تعالى:

{ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى }
[الطلاق: 6].

وذلك هو تكريم للأم ورحمة منه سبحانه بهذا الصغير، حتى لا يكون


فشل الوالدين في حياتهم وعدم التوافق بينهما نكبة على الصغير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق