الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

الاربعون النووية كاملـــــــــــــــــــــة وشرحهم


الحديث الاول

الحديث الأول: الأعمال بالنيات
نص الحديث
عن أمـيـر المؤمنـين أبي حـفص عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله يقـول:
{ إنـما الأعـمـال بالنيات وإنـمـا لكـل امـرئ ما نـوى، فمن كـانت هجرته إلى الله ورسولـه فهجرتـه إلى الله ورسـوله، ومن كانت هجرته لـدنيا يصـيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه }.


[رواه إمام المحد ثين أبـو عـبـد الله محمد بن إسماعـيل بن ابراهـيـم بن المغـيره بن بـردزبه البخاري الجعـفي:1، وأبـو الحسـيـن مسلم بن الحجاج بن مـسلم القـشـيري الـنيسـابـوري:1907 رضي الله عنهما في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة].
شرح الحديث :

هذا الحديث أصل عظيم في أعمال القلوب؛ لأن النيات من أعمال القلوب، قال العلماء: ( وهذا الحديث نصف العبادات )؛ لأنه ميزان الأعمال الباطنة وحديث عائشة رضي الله عنها: { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } وفي لفظ آخر: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } نصف الدين؛ لأنه ميزان الأعمال الظاهرة فيستفاد من قول النبي : { إنما الأعمال بالنيات } أنه ما من عمل إلا وله نية؛ لأن كل إنسان عاقل مختار لا يمكن أن يعمل
عملاً بلا نية، حتى قال بعض العلماء: ( لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من تكليف
ما لا يطاق ) ويتفرع على هذه الفائدة

الرد على الموسوسين الذين يعملون الأعمال عدة مرات، ثم يقول لهم الشيطان: إنكم لم تنووا. فإننا نقول لهم: لا، لا يمكن أبداً أن تعملوا عملاً إلا بنية فخففوا على أنفسكم ودعوا هذه الوساوس

ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يؤجر أو يؤزر أو يحرم بحسب نيته لقول النبي : { فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله }.

ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أن الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له، فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعة إذا نوى به الإنسان خيراً، مثل أن ينوي بالأكل والشرب التقوي على
طاعة الله؛ ولهذا قال النبي : { تسحروا فإن في السحور بركة }.

ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للمعلم أن يضرب الأمثال التي يتبين بها الحكم، وقد ضرب النبي-صلى الله عليه وسلم- لهذا مثلاً بالهجرة، وهي الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وبيّن أن الهجرة وهي عمل واحد تكون لإنسان أجراً وتكون لإنسان حرماناً، فالمهاجر الذي يهاجر إلى الله ورسوله هذا يؤجر ويصل إلى مراده،
والمهاجر لـدنيا يصـيبها أو امرأة يتزوجها يُحرم من هذا الأجر. وهذا الحديث يدخل في باب العبادات وفي باب المعاملات وفي باب الأنكحة وفي كل أبواب الفقة.
الحديث الثاني

الحديث الثاني: مراتب الدين
نص الحديث
عن عمر أيضاً، قال: بينما نحن جلوس عـند رسـول الله ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثـر السفر،ولا يعـرفه منا أحـد، حتى جـلـس إلى النبي فـأسند ركبـتيه إلى ركبتـيه ووضع كفيه على فخذيه، وقـال: ( يا محمد أخبرني عن الإسلام ).فقـال رسـول الله : { الإسـلام أن تـشـهـد أن لا إلـه إلا الله وأن محـمـداً رسـول الله، وتـقـيـم الصلاة، وتـؤتي الـزكاة، وتـصوم رمضان، وتـحـج البيت إن اسـتـطـعت إليه سبيلاً }.
قال: ( صدقت )، فعجبنا له، يسأله ويصدقه؟ قال: ( فأخبرني عن الإيمان ). قال: { أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره }.
قال: ( صدقت ). قال: ( فأخبرني عن الإحسان ).   قال: { أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك }.
قال: ( فأخبرني عن الساعة ).           قال: { ما المسؤول عنها بأعلم من السائل }.
قال: ( فأخبرني عن أماراتها ).          قال: { أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان }.
ثم انطلق، فلبثت ملياً، ثم قال: { يا عمر أتدري من السائل ؟ }
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: { فإنه جبريل ، أتاكم يعلمكم دينكم }.

[رواه مسلم:8].
شرح الحديث :
هذا الحديث يستفاد منه فوائد:منها أن من هدي النبي مجالسة أصحابه وهذا الهدي يدل على حسن خلق النبي , ومنها أنه ينبغي للإنسان أن يكون ذا عِشرة من الناس ومجالسة وأن لاينزوي عنهم.
ومن فوائد هذا الحديث:: أن الخلطة مع الناس أفضل من العزلة ما لم يخش الإنسان على دينه, فإن خشي على دينه فالعزلة أفضل, لقول النبي : { يوشك أن يكون خيرُ مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر }.
ومن فوائد هذا الحديث:: أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام يمكن أن يظهروا للناس بأشكال البشر؛ لأن جبريل عليه الصلاة والسلام طلع على الصحابة على الوصف المذكور في الحديث رجل شديد سواد الشعر شديد بياض الثياب لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه من الصحابة أحد.
ومن فوائد هذا الحديث:: حُسن أدب المتعلم أما المعلم حيث جلس جبريل عليه الصلاة والسلام أمام النبي هذه الجلسة الدالة على الأدب والإصغاء والاستعداد لما يلقى إليه فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه.
منها: جواز دعاء النبي باسمه لقوله: ( يا محمد ) وهذا يحتمل أنه قبل النهي أي قبل نهي الله تعالى عن ذلك في قوله: لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور:63] على أحد التفسيرين ويحتمل أن هذا جرى على عادة الأعراب الذين يأتون إلى الرسول فينادونه باسمه يا محمد وهذا أقرب؛ لأن الأول يحتاج إلى التاريخ.
ومن فوائد هذا الحديث:: جواز سؤال الإنسان عما يعلم من أجل تعليم من لا يعلم؛ لأن جبريل كان يعلم الجواب, لقوله في الحديث: { صدقت }.ولكن إذا قصد السائل أن يتعلم من حول المجيب فإن ذلك يعتبر تعليماً لهم.
ومن فوائد هذا الحديث:: أن المتسبب له حكم المباشر إذا كانت المباشرة مبنية على السبب؛ لقول النبي : { هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم } مع أن المعلم هو الرسول لكن لما كن جبريل هو السبب لسؤاله جعله الرسول عليه الصلاة والسلام هو المعلم.
ومن فوائد هذا الحديث:: بيان أن الإسلام له خمسة أركان؛ لأن النبي أجاب بذلك وقال: { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً }.
ومن فوائد هذا الحديث:: أنه لا بد أن يشهد الإنسان شهادة بلسانه موقناً بها بقلبه أن لا إله إلا الله فمعنى ( لا إله ) أي: لا معبود حق إلا الله، فتشهد بلسانك موقناً بقلبك أنه لا معبود من الخلق من الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو الشجر أو الحجر أو غير ذلك حق إلا الله وأن ما عُبد من دون الله فهو باطل لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62].
ومن فوائد هذا الحديث:: أن هذا الدين لا يكمل إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، وهو محمد بن عبدالله القرشي الهاشمي, ومن أراد تمام العلم بهذا الرسول الكريم فليقرأ القرآن وما تيسر من السنة وكتب التاريخ.
ومن فوائد هذا الحديث:: أن رسول الله جمع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله في ركن واحد، وذلك لأن العبادة لا تتم إلا بأمرين الإخلاص لله وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله والمتابعة لرسول الله وهو ما تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله؛ ولهذا جعلهما النبي ركناً واحداً في حديث ابن عمر حيث قال: { بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ... } وذكر تمام الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث:: أنه لا يتم إسلام العبد حتى يقيم الصلاة, وإقامة الصلاة أن يأتي بها مستقيمة حسب ما جاءت به الشريعة, ولها - أي لإقامة الصلاة - إقامة واجبة وإقامة كاملة, فالواجبة أن يقتصر على أقل ما يجب فيها.والكاملة أن يأتي بمكملاتها على حسب ما هو معروف في الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
ومن فوائد الحديث: أنه لا يتم الإسلام إلا بإيتاء الزكاة. والزكاة هي المال المفروض من الأموال الزكوية وإيتاؤها وإعطاؤها من يستحقها، وقد بيّن الله ذلك في سورة التوبة فيقوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60].وأما صوم رمضان فهو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ورمضان هو الشهر الذي بين شعبان وشوال.وأما حج البيت فهو القصد إلى مكة لأداء المناسك, وقُيّد بالإستطاعة؛ لأن الغالب فيه المشقة، وإلا فجميع الواجبات يشترط لوجوبها الإستطاعة لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].ومن القواعد المقررة عند العلماء ( أنه لا واجب مع عجز ولا محرم مع الضرورة ).
ومن فوائد هذا الحديث:: وصف الرسول الملكي للرسول البشري محمد بالصدق، ولقد صدق جبريل فيما وصفه بالصدق فإن النبي أصدق الخلق.
ومن فوائد هذا الحديث:: ذكاء الصحابة رضي الله عنهم حيث تعجبوا كيف يصدق السائل من سأله، والأصل أن السائل جاهل والجاهل لا يمكن أن يحكم على الكلام بالصدق أو الكذب، لكن هذا العجب زال حين قال النبي : { هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم }.
ومن فوائد هذا الحديث:: أن الإيمان يتضمن ستة أمور: وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره.
ومن فوائد هذا الحديث:: التفريق بين الإسلام والإيمان، وهذا عند ذكرهما جميعاً فإنه يفسر الإسلام بأعمال الجوارح والإيمان بأعمال القلوب ولكن عند الإطلاق يكون كل واحد منها شاملاً للآخر فقوله تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً [المائدة:3] وقوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَالْإِسْلَامِ دِيناً [آل عمران:85] يشمل الإسلام والإيمان وقول الله تبارك وتعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19] وما أشبهها من الآيات يشمل الإيمان والإسلام وكذلك قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] يشمل الإسلام والإيمان.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن الإيمان بالله أهم أركان الإيمان وأعظمها ولهذا قدمه النبي فقال: { أن تؤمن بالله }.والإيمان يتضمن الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ليس هو الإيمان بمجرد وجوده بل لا بد أن يتضمن الإيمان هذه الأمور الأربعة: الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: إثبات الملائكة والملائكة عالم غيبي وصفهم الله تعالى بأوصاف كثيرة في القرآن ووصفهم النبي في السنة وكيفية الإيمان بهم: أن نؤمن بأسماء من عيّنت أسماؤهم منهم ومن لم يعين لأسمائهم فإننا نؤمن بهم إجمالاً ونؤمن كذلك بما ورد من أعمالهم التي يقوموه بها ما علمنا منها، ونؤمن كذلك بأوصافهم التي وصفوا بها ما علمنا بها، ومن ذلك أن النبي رأى جبريل عليه الصلاة والسلام وله ستمائة جناح قد سد بها الأفق على خلقته التي خلق عليها.وواجبنا نحو الملائكة أن نصدق بهم وأن نحبهم لأنهم عباد الله قائمون بأمره كمال قال تعالى: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20،19].
ومن فوائد هذا الحديث:: وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عزوجل على رسله عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد:25]. فنؤمن بكل كتاب أنزله الله على رسله لكن نؤمن إجمالاً ونصدق بأنه حق. أما تفصيلاً فإن الكتب السابقة جرى عليها التحريف والتبديل والتغيير فلم يكن للإنسان أن يميّز من الحق منها والباطل وعلى هذا فنقول: نؤمن بما أنزله الله من الكتب على سبيل الإجمال. أما التفصيل فإننا نخشى أن يكون مما حرف وبدل وغير هذا بالنسبة للإيمان بالكتب. أما العمل بها فالعمل إنما هو بما نزل على محمد فقط. أما ما سواه فقد نسخ بهذه الشريعة.
ومن فوائد هذا الحديث:: وجوب الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام فنؤمن بأن كل رسول أرسله الله فهو حق، أتى بالحق، صادقٌ فيما أخبر صادق بما أمر به فنؤمن بهم إجمالاً في من لم نعرفه بيعنه وتفصيلا في من عرفناه بيعنه.قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [غافر:78]. فمن قص علينا وعرفناه آمنا به بيعنه ومن لم يقص علينا ولم نعرفه نؤمن به إجمالاً، والرسل عليهم الصلاة والسلام أولهم نوح وآخرهم محمد ، ومنهم الخمسة أولوا العزم الذين جمعهم الله في آيتين من كتاب الله فقال الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الآية [الأحزاب:7]، وقال تعالى في سورة الشورى: شَرَعَ لكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا الآية [الشورى:13].
ومن فوائد هذا الحديث: الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر هو يوم القيامة وسمي آخراً، لأنه آخرالمطاف للبشر فإن للبشر أربعة دور:الدار الأول: بطن أمه ... الدار الثاني: هذه الدنيا ... والدار الثالث: البرزخ ... والدار الرابع: اليوم الآخر، ولا دار بعده فإما إلى جنة أو إلى نار.والإيمان باليوم الآخر يدخل فيه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( كل ما أخبر به النبي مما يكون بعد الموت فيدخل في ذلك ما يكون في القبر من سؤال الميت عن ربه ودينه ونبيه وما يكون في القبر من نعيم أو عذاب ).
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره وذلك بأن تؤمن بأمور أربعة:
الأول: أن تؤمن أن الله محيط بكل شيء علماً جملةً وتفصيلاً أزلاً وأبداً.
الثاني: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة.
الثالث: أن تؤمن بأن كل ما يحدث في الكون فإنه بمشيئة الله عز وجل لا يخرج شيء عن مشيئته.
الرابع: أن تؤمن بأن الله خلق كل شيء، فكل شيء مخلوق لله عزوجل سواء كان من فعله الذي يختص به كإنزال المطر وإخراج النبات أو من فعل العبد وفعل المخلوقات، فإن فعل المخلوقات من خلق الله عزوجل، لأن فعل المخلوق ناشئ من إرادة وقدرة والإرادة والقدرة من صفات العبد. والعبد وصفاته مخلوقة لله عزوجل فكل ما في الكون فهو من خلق الله
تعالى. ولقد قدر الله عز وجل ما يكون إلى يوم القيامة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة فما قدر على الإنسان لك يكن ليخطئه وما لم يقدر لك يكن ليصيبه. هذه أركان الإيمان الستة بينها رسول الله ولا يتم الإيمان إلا بالإيمان بها جميعاً. نسأل الله أن يجعلنا جميعاً من المؤمنين بها.
ومن فوائد هذا الحديث: بيان الإحسان وهو أن يعبد الإنسان ربه عبادة رغبة وطلب كأنه يراه فيحب أن يصل إليه، وهذه الدرجة من الإحسان الأكمل، فإن لم يصل إلى هذه الحال فإلى الدرجة الثانية: أن يعبد الله عبادة خوف وهرب من عذابه ولذلك قال النبي : { فإن لم تكن تراه فإنه يراك } أي فإن لم تعبده كأنك تراه فإنه يراك.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن علم الساعة مكتوم لا يعلمه إلا الله عزوجل فمن ادعى علمه فهو كاذب، وهذا كان خافياً على أفضل الرسل من الملائكة جبريل عليه الصلاة السلام وأفضل الرسل من البشر محمد عليه الصلاة السلام.
ومن فوائد هذا الحديث: أن للساعة أشراطاً أي علامات كمال قال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُون [الزخرف:66] ... أي علاماتها، وقسّم العلماء علامات الساعة إلى ثلاثة أقسام:
قسم مضى وقسم لا يزال يتجدد، وقسم لا يأتي إلا قرب قيام الساعة تماماً وهي الأشراط الكبرى العظمى كنزول عيسى ابن مريم عليه السلام والدجال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها. وقد ذكر النبي من أماراتها أن تلد الأمة ربتها يعني أن تكون المرأة أمة فتلد امرأة فتكون هذه المرأة غنية تملك مثل أمها وهو كناية عن سرعة كثرة المال وانتشاره بين الناس ويؤيد ذلك المثل الذي بعده { وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان }.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي حيث استفهم الصحابة هل يعلمون هذا السائل أم لا؟ من أجل أن يعلمهم به وهذا أبلغ مما لو علمهم ابتداء، لأنه إذا سألهم ثم علمهم كان ذلك أدعى لوعي ما يقول وثبوته.
ومن فوائد هذا الحديث العظيم: أن السائل عن العلم يعتبر معلماً وسبقت الإشارة إلى هذا لكن أريد أن أبين أنه ينبغي للإنسان أن يسأل عما يحتاجه ولو كان عالماً به من أجل أن ينال أجر التعليم. والله الموفق.

الحديث الثالث

الحديث الثالث: أركان الإسلام
نص الحديث
عن أبي عـبد الرحمن عبد الله بن عـمر بـن الخطاب رضي الله عـنهما، قـال:
سمعت رسول الله يقـول: { بـني الإسـلام على خـمـس: شـهـادة أن لا إلـه إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيـتـاء الـزكـاة، وحـج البيت، وصـوم رمضان }.

[رواه البخاري:8، ومسلم:16].

شرح الحديث
هذا الحديث بين فيه النبي أن الإسلام بمنزلة البناء الذي يظلل صاحبه ويحميه من الداخل والخارج، وبيّن فيه النبي أنه بني على خمس أركان: { شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان } وقد تقدم الكلام على كل هذه الأركان في حديث عمر بن الخطاب الذي قبل هذا فليرجع إليه.

سؤال: ما فائدة إيراد هذا الحديث مرة أخرى مع أنه ذكر في سياق حديث عمر بن خطاب ( الحديث الثاني )؟

الجواب: الفائدة أنه لأهمية هذا الموضوع أراد أن يؤكده مرة ثانية هذا من جهة ومن جهة أخرى أن في حديث عبدالله بن عمر التصريح بأن الإسلام بني على هذه الأركان الخمسة أما حديث عمر بن الخطاب فليس بهذه الصيغة وإن كان ظاهره يفيد ذلك، لأنه قال: { الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. } إلخ.

الحديث الرابع
الحديث الرابع: مراحل الخلق
نص الحديث
عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعـود رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله - وهو الصادق المصدوق: { إن أحـدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفه،ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مـضغـةً مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويـؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد؛ فوالله الـذي لا إلــه غـيره إن أحــدكم ليعـمل بعمل أهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعـمل بعـمل أهــل النار فـيـدخـلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتي ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فــيسـبـق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها }.
[رواه البخاري:3208، ومسلم:2643].

شرح الحديث
هذا الحديث الرابع من الأحاديث النووية وفيه بيان تطور خلق الإنسان في بطن أمه وكتابه وأجله ورزقه وغير ذلك.
فيقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
( حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق ) الصادق في قوله المصدوق فيما أوحي إليه وإنما قال عبدالله بن مسعود هذه المقدمة، لأن هذا من أمور الغيب التي لا تعلم إلا بوحي فقال: { إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ... الخ }.
ففي هذا الحديث من الفوائد: بيان تطور خلقة الإنسان في بطن أمه، وأنه أربعة أطوار.
الأول: طور النطفة أربعون يوماً ... والثاني: طور العلقة أربعون يوماً ... والثالث: طور المضغة أربعون يوماً ... والرابع: الطور الأخير بعد نفخ الروح فيه.. فالجنين يتطور في بطن أمه إلى هذه الأطوار.
و
من فوائد هذا الحديث: أن الجنين قبل أربعة أشهر لا يحكم بأنه إنسان حي، وبناء على ذلك لو سقط قبل تمام أربعة أشهر فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، لأنه لم يكن إنساناً بعد.
و
من فوائد هذا الحديث: أنه بعد أربعة أشهر تنفخ فيه الروح ويثبت له حكم الإنسان الحي، فلو سقط بعد ذلك فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه كما لو كان ذلك بعد تمام تسعة أشهر.
و
من فوائد هذا الحديث: أن للأرحام ملكاً موكلاً بها لقوله: { فيبعث إليه الملك } أي الملك الموكل بالأرحام.
و
من فوائد هذا الحديث: أن أحوال الإنسان تكتب عليه وهو في بطن أمه .. رزقه .. عمله .. أجله .. شقي أم سعيد، ومنها بيان حكمة الله عزوجل وأن كل شيء عنده بأجل مقدر وبكتاب لا يتقدم ولا يتأخر.
و
من فوائد هذا الحديث: أن الإنسان يجب أن يكون على خوف ورهبة، لأن رسول الله أخبر { إن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها }.
و
من فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي لإنسان أن يقطع الرجاء فإن الإنسان قد يعمل بالمعاصي دهراً طويلاً ثم يمن الله عليه بالهداية فيهتدي في آخر عمره.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن الله يخذل هذا العمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار؟
فالجواب: إن الحكمة في ذلك هو أن هذا الذي يعمل بعمل أهل الجنة إنما يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإلا فهو في الحقيقة ذو طوية خبيثة ونية فاسدة، فتغلب هذه النية الفاسدة حتى يختم له بسوء الخاتمة نعوذ بالله من ذلك. وعلى هذا فيكون المراد بقوله: { حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع } قرب أجله لا قربه من الجنة بعمله.

الحديث الخامس
الحديث الخامس: النهي عن الإبتداع في الدين
نص الحديث
عن أم المؤمنين أم عبد الله عـائـشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله : { من أحدث في أمرنا هـذا مـا لـيـس مـنه فهـو رد }.

[رواه الـبـخـاري:2697، ومسلم:1718 ].
وفي رواية لمسلم : {
مـن عـمـل عـمـلاً لـيـس عـلـيه أمـرنا فهـو رد }.

شرح الحديث
هذا الحديث قال العلماء: إنه ميزان ظاهر الأعمال وحديث عمر الذي هو في أول الكتاب { إنما الأعمال بالنيات } ميزان باطن الأعمال، لأن العمل له نية وله صورة فالصورة هي ظاهر العمل والنية باطن العمل.
وفي هذا الحديث فوائد: أن من أحدث في هذا الأمر - أي الإسلام - ما ليس منه فهو مردود عليه ولو كان حسن النية، وينبني على هذه الفائدة أن جميع البدع مردودة على صاحبها ولو حسنت نيته.
و
من فوائد هذا الحديث: أن من عمل عملاً ولو كان أصله مشروعاً ولكن عمله على غير ذلك الوجه الذي أمر به فإنه يكون مردوداً بناءً على الرواية الثانية في مسلم.
وعلى هذا فمن باع بيعاً محرماً فبيعه باطل , ومن صلى صلاة تطوع لغير سبب في وقت النهي فصلاته باطلة ومن صام يوم العيد فصومه باطل وهلم جرا، لأن هذه كلها ليس عليها أمر الله ورسوله فتكون باطلة مردودة.
الحديث السادس
الحديث السادس: البعد عن مواطن الشبهات
نص الحديث
عن أبي عبدالله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما، قـال: سمعـت رسـول الله يقول: { إن الحلال بيّن، وإن الحـرام بيّن، وبينهما أمـور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقىالشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام، كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب }.
[رواه البخاري:52، ومسلم:1599].

شرح الحديث
قسّم النبي الأمور إلى ثلاثة أقسام:
قسم حلال بيّن لا اشتباه فيه، وقسم حرام بيّن لا اشتباه فيه، وهذان واضحان أما الحلال فحلال ولا يأثم الإنسان به، وأما الحرام فحرام ويأثم الإنسان به.
مثل الأول: حل بهيمة الأنعام ... ومثال الثاني: تحريم الخمر.أما القسم الثالث فهم الأمر المشتبه الذي يشتبه حكمه هل هو من الحلال أم من الحرام؟ ويخفى حكمه على كثير من الناس، وإلا فهو معلوم عند آخرين. فهذا يقول الرسول الورع تركه وأن لا يقع فيه ولهذا قال: { فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه } استبرأ لدينه فيما بينه وبين الله، واستبرأ لعرضه فيما بينه وبين الناس بحيث لا يقولون: فلان وقع في الحرام، حيث إنهم
يعلمونه وهو عند مشتبه ثم ضرب النبي مثلاً لذلك { بالراعي يرعى حول الحمى } أي حول الأرض المحمية التي لا ترعاها البهائم فتكون خضراء، لأنها لم ترعى فيها فإنها تجذب البهائم حتى تدب إليها وترعاها، { كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه } ثم قال عليه الصلاة والسلام: { ألا وأن لكل ملك حمى } يعني بأنه جرت العادة بأن الملوك يحمون شيئاً من الرياض التي يكون فيها العشب الكثير والزرع الكثير { ألا وإن حمى الله محارمه } أي ما حرمه على عباده فهو حماه، لأنه منعهم أن يقعوا فيه ثم بين أن { في الجسد مضغة } يعني لحمة بقدر ما يمضغه الآكل إذا صلحت صلح الجسد كله ثم بينها بقوله: { ألا وهي القلب } وهو إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يراعي ما في قلبه من الهوى الذي يعصف به حتى يقع في الحرام والأمور المشتبهات.
فيستفاد من هذا الحديث:
أولاً: أن الشريعة الإسلامية حلالها بيّن وحرامها بيّن والمشتبه منها يعلمه بعض الناس.
ثانياً: أنه ينبغي للإنسان إذا اشتبه عليه الأمرأحلال هو أم حرام أن يجتنبه حتى يتبيّن له أنه حلال.
ومن فوائد الحديث:أن الإنسان إذا وقع في الأمور المشتبه هان عليه أن يقع في الأمور الواضحة فإذا مارس الشيء المشتبه فإن نفسه تدعوه إلى أن يفعل الشيء البين وحينئذ يهلك.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز ضرب المثل من أجل أن يتبين الأمر المعنوي بضرب الحسي أي أن تشبيه المعقول بالمحسوس ليقرب فهمه.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم الرسول عليه الصلاة والسلام بضربه للأمثال وتوضيحها.
ومن فوائد هذا الحديث:أن المدار في الصلاح والفساد على القلب وينبني على هذه الفائدة أنه يجب على الإنسان العناية بقلبه دائماً وأبداً حتى يستقيم على ما ينبغي أن يكون عليه.
ومن فوائد الحديث:أن فاسد الظاهر دليل على فاسد الباطن لقول النبي : { إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله } ففساد الظاهر عنوان فساد الباطن.باطلة مردودة.

الحديث السابع
الحديث السابع: النصيحة عماد الدين
نص الحديث
عن أبـي رقــيـة تمـيم بن أوس الـداري رضي الله عنه، أن النبي قـال: { الـديـن النصيحة }.قلنا: لمن؟قال: { لله، ولـكـتـابـه، ولـرسـولـه، ولأ ئـمـة الـمـسـلـمـيـن وعــامـتهم }.
[رواه مسلم:55].

شرح الحديث
فالنصيحة لله عزوجل: هي النصيحة لدينه كذلك بالقيام بأوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والإنابة إليه والتوكل عليه وغير ذلك من شعائر الإسلام وشرائعه.
والنصيحة لكتابه: الإيمان بأنه كلام الله وأنه مشتمل على الأخبار الصادقة والأحكام العادلة والقصص النافعة وأنه يجب أن يكون التحاكم إليه في جميع شئوننا.
والنصيحة للرسول : الإيمان به وأنه رسول الله إلى جميع العالمين ومحبته والتأسي به وتصديق خبره وامتثال أوامره واجتناب نهيه والدفاع ونحو عن دينه.
والنصيحة لأئمة المسلمين: مناصحتهم ببيان الحق وعدم التشويش عليه والصبر على ما يحصل منهم من الأذى وغير ذلك من حقوقهم المعروفة ومساعدتهم ومعاونتهم فيما يجب فيه
المعونة كدفع الأعداء ونحو ذلك.
والنصيحة لعامة المسلمين: أي سائر المسلمين هي أيضاً بذلاً للنصيحة لهم بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليمهم الخير وما أشبه هذا، ومن أجل ذلك صار الدين النصيحة وأول ما يدخل في عامة المسلمين نفس الإنسان أن ينصح الإنسان نفسه.
ومن فوائد هذا الحديث:
أولاً: انحصار الدين في النصيحة لقول النبي { الدين النصيحة }.
ثانياً: أن مواطن النصيحة خمسة: لله، ولكتابه، ولرسوله، لأئمة المسلمين، وعامتهم.
ومن فوائد الحديث:الحث على النصيحة في هذه المواطن الخمسة، لأنها إذا كانت هذه هي الدين فإن الإنسان بلا شك يحافظ على دينه ويتمسك به، ولهذا جعل النبي النصيحة في هذه المواطن الخمسة.
ومن فوائد هذا الحديث:تحريم الغش لأنه إذا كانت النصيحة الدين فالغش ضد النصيحة فيكون على خلاف الدين وقد ثبت عن النـبي أنه قال: { من غشنا فليس منا }.

الحديث الثامن
الحديث الثامن: حرمة دم المسلم وماله
نص الحديث
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قـال: { أُمرت أن أقاتل الناس حتى يـشـهــدوا أن لا إلــه إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويـقـيـمـوا الصلاة، ويؤتوا الزكاة؛ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى }.
[رواه البخاري:25، ومسلم:22].

شرح الحديث
{ أُمرت }: أي أمره الله عزوجل وأبهم الفاعل لأنه معلوم فإن الآمر والناهي هو الله تعالى.
{ أقاتل الناس حتى يشهدوا } هذا الحديث عام لكنه خصص بقوله تعالى: قَاتِلُواالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة:29].
وكذلك السنة جاءت بأن الناس يقاتلون حتى يسلموا ويعطوا الجزية.
ومن فوائد هذا الحديث:وجوب مقاتلة الناس حتى يدخلوا في دين الله أو يعطوا الجزية لهذا الحديث وللأدلة الأخرى التي ذكرناها.
ومن فوائد هذا الحديث:أن من امتنع عن دفع الزكاة فإنه يجوز قتاله ولهذا قاتل أبوبكر الذين امتنعوا عن الزكاة.
ومن فوائد الحديث:أن الإنسان إذا دان الإسلام ظاهراً فإن باطنه يوكل إلى الله، ولهذا قال: { فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله }.
ومن فوائد الحديث:إثبات الحساب أي أن الإنسان يحاسب على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة:8،7].

الحديث التاسع:
الحديث التاسع: النهي عن كثرة السؤال والتشدد
نص الحديث
عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه، قال:سمعت رسول الله يقول: { ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم }.
[رواه البخاري:7288، ومسلم:1337].

شرح الحديث
{ ما } في قوله: { ما نهيتكم } وفي قوله: { ما أمرتكم } شرطية يعني الشيء الذي أنهاكم عنه اجتنبوه كله ولا تفعلوا منه شيئاً، لأن الاجتناب أسهل من الفعل كل يدركه، وأما المأمور فقال: {وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم } لأن المأمور فعل وقد يشق على الإنسان، ولذلك قيده النبي بقوله: { فأتوا منه ما استطعتم }.

فيستفاد من هذا الحديث فوائد:وجوب اجتناب ما نهى عنه الرسول وكذلك ما نهى الله عنه من باب أولى. وهذا ما لم يدل دليل على أن النهي للكراهة.
ومن فوائد هذا الحديث:أنه لا يجوز فعل بعض المنهي عنه بل يجب اجتنابه كله ومحل ذلك ما لم يكن هناك ضرورة تبيح فعله.
ومن فوائد الحديث:وجوب فعل ما أمر به ومحل ذلك ما لم يقم دليل على أن الأمر للاستحباب.
ومن فوائده: أنه لا يجب على الإنسان أكثر مما يستطيع.
ومن فوائده: سهولة هذا الدين الإسلامي حيث لم يجب على المرء إلا ما يستطيعه.
ومن فوائده:أن من عجز عن بعض المأمور كفاه بما قدر عليه منه فمن لم يستطع الصلاة قائماً صلى قاعداً ومن لم يستطع قاعداً صلى على جنب ومن أمكنه أن يركع فليركع ومن لا يمكنه فليومئ بالركوع، وهكذا بقية العبادات يأتي الإنسان منها بما يستطيع.
ومن فوائد هذا الحديث:أنه لا ينبغي للإنسان كثرة المسائل لأن كثرة المسائل ولا سيما في زمن الوحي ربما يوجب تحريم شيء لم يحرم أو إيجاب شيء لم يجب، وإنما يقتصر الإنسان في السؤال على ما يحتاج إليه فقط.
ومن فوائد الحديث:أن كثرة المسائل والاختلاف على الأنبياء من أسباب الهلاك كما هلك بذلك من كان قبلنا.
ومن فوائد الحديث:التحذير من كثرة المسائل والاختلاف، لأن ذلك أهلك من كان قبلنا، فإذا فعلناه، فإنه يوشك أن نهلك كما هلكوا ..

الحديث العاشر
الحديث العاشر: سبب إجابة الدعاء
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : { إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]،ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب له؟ }.
[رواه مسلم:1015].

شرح الحديث
{ إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً} الطيب في ذاته طيب في صفاته وطيب في أفعاله ولا يقبل إلا طيباً في ذاته وطيباً في كسبة. وأما الخبيث في ذاته كالخمر، أو في كسبة كالمكتسب بالربا فإن الله تعالى لا يقبله { وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين } فقال تعالى: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُم [البقرة:172].
فأمر الله تعالى للرسل وأمره للمؤمنين واحد أن يأكلوا من الطيبات وأما الخبائث فإنها حرام عليهم لقوله تعالى في وصف الرسول الله : وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157]
ثم إن رسول الله ذكر الرجل الذي يأكل الحرام أنه تبعد إجابة دعائه وإن وجدت منه أسباب الإجابة يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء { يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسة حرام وغذي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك }
هذا الرجل اتصف بأربع صفات:
الأولى: بأنه يطيل السفر والسفرالإجابة أي إجابة الداعي.
الثانية: أنه أشعث أغبر والله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله وهو ينظر إلى عباده يوم عرفه ويقول: { أتوني شعثاً غبراً } وهذا من أسباب الإجابة أيضاً.
الثالثة:أنه يمد يديه إلى السماء ومد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة، فإن الله سبحانه وتعالى يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً.
الرابعة: دعاءه إياه { يا رب يا رب} وهذا يتوسل إلى الله بربوبيته وهو من أسباب الإجابة ولكنه لا تجاب دعوته.. لأن مطعمه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فاستبعد النبي أن تجاب دعوته وقال: { فأنّى يستجاب لذلك }.
يستفاد من هذا الحديث فوائد:
منها وصف الله تعالى بالطيب ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً.
ومنها تنزيه الله تعالى عن كل نقص.
ومنها أن من الأعمال ما يقبله الله ومنها ما لا يقبله.
ومنها أن الله تعالى أمر عباده الرسل والمرسل إليهم أن يأكلوا من الطيبات وأن يشكروا الله سبحانه وتعالى.
ومنها أن الشكر هو العمل الصالح لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً [المؤمنون:51] وقال للمؤمنين: كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172] فدل هذا على أن الشكر هو العمل الصالح.
ومنها أن من شرط إجابة الدعاء اجتناب أكل الحرام لقول النبي في الذي مطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام: { أنّى يستجاب لذلك }.
ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء كون الإنسان في سفر.
ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين إلى الله.
ومنها أي من أسباب إجابة الدعاء التوسل إلى الله بالربوبية لأنها هي التي بها الخلق والتدبير.
ومنها أن الرسل مكلفون بالعبادات كما أن المؤمنين مكلفون بذلك.
ومنها وجوب الشكر لله على نعمه لقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ [البقرة:172].
ومنها أنه ينبغي بل يجب على الإنسان أن يفعل الأسباب التي يحصل بها مطلوبه ويتجنب الأسباب التي يمتنع بها مطلوبه.

الحديث الحادي عشر:
الحديث الحادي عشر: اترك ما شككت فيه
نص الحديث
عن أبي محمد الحسن بن على بن أبي طالب سبط رسول الله وريحانته رضي الله عـنهـما، قـال: (حـفـظـت مـن رســول الله : { دع ما يـريـبـك إلى ما لا يـريـبـك } ).
[رواه الترمذي:2520، والنسائي:5711، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح].

شرح الحديث
عن أبي محمد الحسن بن علي سبط رسول الله وعن أبيه وأمه وهو ابن بنت رسول الله وهو أفضل الحسنين فإن النبي أثنى عليه وقال: { إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين }، فأصلح الله بين الفئتين المتنازعتين حين تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان فنال بذلك السيادة.

أن النبي قال: { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } يعني اترك الذي ترتاب فيه وتشك فيه إلى الشيء الذي لا تشك فيه، وهذا يشبه الحديث السابق أن النبي قال: { بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه }
فالذي يريبك وتشك فيه سواء كان في أمور الدنيا أو أمور الآخرة فالأحسن أن ترتاح منه وتدعه حتى لا يكون في نفسك قلق واضطراب فيما فعلت وأتيت.
فمن فوائد هذا الحديث:ما دل على لفظه من ترك الإنسان للأشياء التي يرتاب فيها إلى الأشياء التي لا يرتاب فيها، ومنها أن الإنسان مأمور باجتناب ما يدعو إلى القلق.

الحديث الثاني عشر
الحديث الثاني عشر: الاشتغال بما يفيد
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله : { من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعـنيه }.
[حديث حسن، رواه الترمذي:2318 وابن ماجه:3976 ].

شرح الحديث
هذا الحديث أصل في الأدب والتوجيه السليم وهو أن الإنسان يترك ما لا يعنيه أي ما لا يهمه وما لا علاقة له به .فإن هذا من حُسن إسلامه ويكون أيضاً راحة له، لأنه إذا لم يكلف به فيكون راحةً له بلا شك وأريح لنفسه.
فيستفاد من هذا الحديث: أن الإسلام يتفاوت منه حسن ومنه غير حسن لقوله: { من حسن إسلام المرء }.
ومن فوائد هذا الحديث:أنه ينبغي للإنسان أن يدع ما لا يعنيه لا في أمور دينه ولا دنياه، لأن ذلك أحفظ لوقته وأسلم لدينه وأيسر لتقصيره لو تدخل في أمور الناس التي لا تعنيه لتعب، ولكنه إذا أعرض عنها ولم يشتغل إلا بما يعنيه صار ذلك طمأنينة وراحة له.
ومن فوائد الحديث:أن لا يضيع الإنسان ما يعنيه أي ما يهمه من أمور دينه ودنياه بل يعتني به ويشتغل به ويقصد إلى ما هو أقرب إلى تحصيل المقصود.

الحديث الثالث عشر
الحديث الثالث عشر: من كمال الإيمان
نص الحديث
عـن أبي حـمـزة أنـس بـن مـالـك رضي الله عـنـه، خــادم رسـول الله ، عن النبي قــال:{ لا يـُؤمـن أحـدكـم حـتي يـُحـب لأخـيـه مــا يـُحـبـه لـنـفـسـه }.
[رواه البخاري:13، ومسلم:45].

شرح الحديث
{ لا يؤمن } يعني الإيمان الكامل. قوله: { حتى يُحب لأخيه } أي أخيه المسلم. { ما يُحب لنفسه} من أمور الدين والدنيا، لأن هذا مقتضى الأخوة الإيمانية أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك.

فيستفاد من هذا الحديث:أن الإيمان يتفاضل منه كامل، ومنه ناقص وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
ومن فوائد هذا الحديث: الحث على محبة الخير للمؤمنين لقوله: { حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه}.
ومن فوائد هذا الحديث:التحذير من أن يحب للمؤمنين ما لا يحب لنفسه لأنه ينقص بذلك إيمانه حتى أن الرسول نفى عنه الإيمان، مما يدل على أهمية محبة الإنسان لإخوانه ما يحب لنفسه.
ومن فوائد الحديث: تقوية الروابط بين المؤمنين.
ومن فوائد هذا الحديث:أن من اتصف به فإنه لا يمكن أن يعتدي على أحد من المؤمنين في ماله أو في عرضه أو أهله، لأنه لا يحب أن يعتدي أحد عليه بذلك فلا يمكن أن يحب اعتداءه هو على أحد في ذلك.
ومن فوائد الحديث:أن الأمة الإسلامية يجب أن تكون يداً واحدة وقلباً واحداً وهذا مأخوذ من كون كمال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ومن فوائد الحديث:استعمال ما يكون به العطف في أساليب الكلام في قوله: { لأخيه } ولو شاء لقال: لا يؤمن أحدكم حتى يحب للمؤمن ما يحب لنفسه ) لكنه قال: { لأخيه } استعطافاً أن يحب للمؤمن ما يحب لنفسه.
الحديث الرابع عشر
الحديث الرابع عشر: متى يهدر دم المسلم ؟
نص الحديث
عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله :{ لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بـإحـدي ثـلاث: الـثـيـّب الــزاني، والـنـفـس بـالنفس، والـتـارك لـديـنـه الـمـفـارق للـجـمـاعـة }.
[رواه البخاري:6878، ومسلم:1676 ].

شرح الحديث
هذا الحديث بين فيه الرسول عليه الصلاة والسلام أن دماء المسلمين محترمة وأنها محرمة لا يحل انتهاكها إلا بإحدى ثلاث:

الأول: { الثيّب الزاني } وهو الذي تزوج ثم زنى بعد أن منّ الله عليه بالزواج، فهذا يحل دمه، لأن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت.

الثاني: { النفس بالنفس } وهذا في القصاص لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178].

الثالث: { التارك لدينه المفارق للجماعة }
والمراد به من خرج على الإمام، فإنه يباح قتله حتى يرجع ويتوب إلى الله عزوجل، وهناك أشياء لم تذكر في هذا الحديث مما يحل فيها دم المسلم لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كلامه يجمع بعضه من بعض ويكمل بعضه من بعض.
في هذا الحديث فوائد:
منها احترام المسلم وأنه معصوم الدم لقوله: { لا يحل دمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث } ومنها أنه يحل دمُ المرء بهذه الثلاث { الثيب الزاني } وهو الذي زنى بعد أن منّ الله عليه بالنكاح الصحيح وجامع زوجته فيه ثم يزني بعد ذلك فإنه يرجم حتى يموت. { والنفس بالنفس}يعني إذا قتل شخصاً وتمت شروط القصاص فإنه يُقتل به، لقوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى [البقرة:178]. وقال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ[المائدة:45]. { والتارك لدينه المفارق للجماعة } وهذا المرتد وإنه إذا ارتد بعد إسلامه حل دمه، لأنه صار غير معصوم الدم.
ومن فوائد هذا الحديث:وجوب رجم الزاني لقوله: { الثيب الزاني }.
ومن فوائده أيضاً: جواز القصاص لكن الإنسان مخيّر - أعني من له القصاص - بين أن يقتص أو يعفو إلى الدية أو يعفو مجاناً.
ومن فوائده أيضاً:وجوب قتل المرتد إذا لم يتب

الحديث الخامس عشر:

الحديث الخامس عشر: إكرام الضيف
نص الحديث
عن أبي هـريـرة رضي الله عـنه، أن رســول الله قــال: { مـن كـان يـؤمن بالله والـيـوم الآخر فـلـيـقـل خـيـراً أو لـيـصـمـت، ومـن كــان يـؤمن بالله واليـوم الآخر فـليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه }.
[رواه البخاري:6018، ومسلم:47 ].

شرح الحديث
هذا الحديث من الآداب الإسلامية الواجبة:

الأول:إكرام الجار فإن الجار له حق، قال العلماء: إذا كان الجار مسلماً قريباً فله ثلاث حقوق: الجوار والإسلام والقرابة، وإن كان مسلماً غير قريب فله حقان: وإذا كان كافراً غير قريب له حق واحد حق الجوار.

الثاني:وأما الضيف فهو الذي نزل بك وأنت في بلدك وهو مارٌ مسافر، فهو غريب محتاج وأما القول باللسان فإنه من أخطر ما يكون على الإنسان فلهذا كان مما يجب عليه أن يعتني بما يقول فيقول خيراً أو يسكت.

ففي هذا الحديث من الفوائد:وجوب إكرام الجار فيكون بكف الأذى عنه وبذل المعروف له، فمن لا يكف الأذى عن جاره فليس بمؤمن، لقول النبي : { والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن } قالوا من يا رسول الله ؟ قال: { من لا يأمن جاره بوائقه }.

ومن فوائد هذا الحديث:وجوب إكرام الضيف لقوله عليه الصلاة والسلام: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه }ومن إكرامه إحسان ضيافته، والواجب في الضيافة يوم وليلة وما بعده فهو تطوع ولا ينبغي لضيف أن يكثر على مضيفه بل يجلس بقدر الضرورة، فإذا زاد على ثلاثة أيام فليستأذن من مضيفه حتى لا يكلف عليه.

ومن فوائد هذا الحديث:رعاية الإسلام للجوار والضيافة، فهذا يدل على كمال الإسلام وأنه متضمن للقيام بحق الله سبحانه وتعالى وبحق الناس.

ومن فوائد هذا الحديث:أنه يصح نفي الإيمان لانتفاء كماله لقوله: { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر } ونفي الإيمان ينقسم إلى قسمين:
نفي مطلق: والإنسان به كافراً كفراً مخرجاً من الملة.

ومطلق نفي :وهذا الذي يكون به الإنسان كافراً في هذه الخصلة التي فرط فيها لكنه معه أصل الإيمان، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال الإيمان وخصال الكفر.
الحديث السادس عشر
الحديث السادس عشر: النهي عن الغضب
نص الحديث
عــن أبـي هـريـرة رضي الله عــنـه أن رجــلاً قـــال للـنـبي : أوصــني.قال: { لا تغضب } فردد مراراً ، قال: { لا تغضب }.
[رواه البخاري:6116]

شرح الحديث
الوصية هي العهد بالأمر الهام، وهذا الرجل صبي من النبي أن يوصيه فقال: { لا تغضب } وعدل النبي عن الوصية بالتقوى التي أوصى الله عز وجل بها هذه الأمة وأوصى بها الذين أوتوا الكتاب من قبلنا إلى قوله { لا تغضب } لأنه يعلم من حال هذا الرجل والله أعلم أنه كثير الغضب ولهذا أوصاه بقوله { لا تغضب} وليس المراد النهي عن الغضب الذي هو طبيعة من طبيعة الإنسان، ولكن المراد: املك نفسك عند الغضب بحيث لا تنفذ إلى ما يقتضيه ذلك الغضب، لأن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم فلهذا تجده تحمر عيناه وتنتفخ
أوداجه وربما يذهب شعوره بسبب الغضب ويكون أشياء لا يحمد عقباها، وربما يندم ندماً عظيماً على ما حصل منه، فلهذا أوصاه النبي بهذه الوصية وهي وصية له ولمن كان حاله مثل حاله.

ما يؤخذ من الحديث:
أنه ينبغي للمفتي والمعلم أن يراعي حال المستفتي وحال المتعلم وأن يخاطبه بما تقتضيه حاله، وإن كان لو خاطباً غيره فخاطبه بشيء آخر.

الحديث السابع عشر
الحديث السابع عشر: الرفق بالحيوان
نص الحديث
عـن أبي يعـلى شـداد بـن أوس رضي الله عـنه، عـن الـرسـول صلى الله عـليه وسلم قـال:
{ إن الله كتب الإحـسـان عـلى كــل شيء، فـإذا قـتـلـتم فـأحسـنوا القـتـلة، وإذا ذبـحـتم فـأحسنوا الذبحة، وليحد أحـدكم شـفـرتـه، ولـيـرح ذبـيـحـته }.
[رواه مسلم:1955].

شرح الحديث
{ الإحسان } ضد الإساءة وهو معروف. { كتب } بمعنى شرع، وقوله: { على كل شيء } الذي يظهر أنها بمعنى في كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً في بني آدم بل هو عام في كل شيء {فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته } وهذا من الإحسان.

وقوله: { إذا قتلتم } هذا حين القتل من بني آدم أو مما يباح قتله أو يسنُ من الحيوانات من وحوش وغيرها.

وقوله: { فأحسنوا القتلة} أن يسلك أقرب الطرق إلى حصول المقصود بغيرأذية لكن يرد على هذا ما ثبت من رجم الزاني المحصن والجواب عنه أن قال: إنه مستثنى من الحديث وإما أن
يقال: المراد {فأحسنوا القتلة } موافقة الشرع وقتل المحصن بالرجم موافق للشرع.

وأما قوله: { فأحسنوا الذبحة} والمراد به المذبوح من الحيوان الذي يكون ذبحه ذكاة له مثل الأنعام والصيد وغير ذلك .. فإن الإنسان يسلك أقرب الطرق التي يحصل بها المقصود
الشرعي من الذكاة، ولهذا قال: { وليحد أحدكم شفرته } أي سكِّينه، { وليرح ذبيحته } أي يفعل ما به راحتها.

ومن فوائد هذا الحديث:أن الله سبحانه وتعالى جعل الإحسان في كل شيء حتى إزهاق القتلة، وذلك بأن يسلك أسهل الطرق لإرهاق الروح ووجوب إحسان الذُبحة كذلك بأن يسلك أقرب الطرق لإزهاق الروح ولكن على الوجه المشروع.

ومن فوائد هذا الحديث:طلب تفقد آلات الذبح لقوله عليه الصلاة والسلام: { وليحد أحدكم شفرته}.

ومن فوائد هذا الحديث:طلب راحة الذبيحة عند الذبح ومن ذلك أن يضجعها برفق دون أن تتعسف في إضجاعها ومن ذلك أيضاً أن يضع رجله على عُنقها ويدع قوائمها الأربعة اليدين
والرجلين بدون إمساك، لأن ذلك أبلغ في إراحتها وحريتها في الحركة، ولأن ذلك أبلغ في خروج الدم عنها فكان أولى.

الحديث الثامن عشر
الحديث الثامن عشر: الخلق الحسن
نص الحديث
عـن أبي ذر جـنـدب بـن جـنـادة، وأبي عـبد الـرحـمـن معـاذ بـن جـبـل رضي الله عـنهما، عـن الرسول صلى الله عـليه وسلم، قـال: { اتـق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخـلـق حـسـن }.
[رواه الترمذي:1987، وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح].

شرح الحديث
قوله: { اتق الله } فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها.

وقوله: { اتق الله حيثما كنت} في أي مكان كنت، فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فاتقه حيثما كنت.

وقوله: { وأتبع السيئة الحسنة }
يعني اعل الحسنة تتبع السيئة، فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك -
أي إتباع السيئة بالحسنة - أن تتوب إلى الله من السيئة فإن التوبة حسنة.

وقوله: { تمحها } يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى:إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

وفي هذا الحديث من الفوائد:
حرص النبي على أمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح، ومنها وجوب حرص تقوى
الله عزوجل في أي مكان كان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن، لقوله : {اتق الله حيثما كنت }.

ومن فوائد هذا الحديث:
الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنها تمحوها وتزيلها بالكلية، وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة، لأن التوبة تهدم ما قبلها، أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسان عملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زالأُره كما قال تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[الأنبياء:47] ثم قال: { وخالق الناس بخلق حسن } عاملهم بالأخلاق الحسنة بالقول والعمل، فإن ذلك خير وهذا الأمر، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب.

فيستفاد منه:
مشروعية مخالفة الناسب الخلق الحسن وأطلق النبي كيفية المخالفة، وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص، ولا تكون حسنة لغيره، والإنسان العاقل يعرف ويزن.

الحديث التاسع عشر

الحديث التاسع عشر: الإيمان بالقضاء والقدر
نص الحديث
عـن أبي العـباس عـبدالله بن عـباس رضي الله عـنهما، قــال: كـنت خـلـف النبي صلي الله عـليه وسلم يـوماً، فـقـال : { يـا غـلام ! إني أعـلمك كــلمات: احـفـظ الله يـحـفـظـك، احـفـظ الله تجده تجاهـك، إذا سـألت فـاسأل الله، وإذا اسـتعـنت فـاسـتـعـن بالله، واعـلم أن الأمـة لـو اجـتمـعـت عـلى أن يـنـفـعـوك بشيء لم يـنـفـعـوك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله لك، وإن اجتمعـوا عـلى أن يـضـروك بشيء لـم يـضـروك إلا بشيء قـد كـتـبـه الله عـلـيـك؛ رفـعـت الأقــلام، وجـفـت الـصـحـف }.
[رواه الترمذي:2516 وقال: حديث حسن صحيح].

وفي رواية غير الترمذي: {
احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً }.

*شرح الحديث*
قوله: ( كنت خلف النبي ) يحتمل أنه راكب معه، ويحتمل أنه يمشي خلفه، وأياً كان فالمهم أنه وصاه بهذه الوصايا العظيمة.

قال: { إني أعلمك كلمات } قال ذلك من أجل أن ينتبه لها.

الكلمة الأولى: قوله: { احفظ الله يحفظك } هذه كلمة { احفظ الله} يعني احفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك، لأن الله سبحانه وتعالى يجزي المحسنين بإحسانهم.
وعُلم من هذا أن من لم يحفظ الله فإنه لا يستحق أن يحفظه الله عزوجل، وفي هذا الترغيب على حفظ حدودالله عزوجل.

الكلمة الثانية: قال: { احفظ الله تجده اتجاهك } ونقول في قوله: { احفظ الله } كما قلنا في الأولى، ومعنى { تجده اتجاهك } أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه.

الكلمة الثالثة: قوله: { إذا سألت فاسأل الله }
إذا سألت حاجة فلا تسأل إلا الله عزوجل ولا تسأل المخلوق شيئاً، وإذاقُدر أنك سألت المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب من الأسباب وأن المسبب هو الله عز وجل فاعتمد على الله تعالى.

الكلمة الرابعة: قوله: { وإذا استعنت فاستعن بالله} فإذا أردت العون وطلبت العون من أحد فلا تطلب إلا من الله، لأنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وهو يعينك إذا شاء، وإذا أخلصت الاستعانة وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوقٍ فيما قدر عليه فاعتقد أن سبب وأن الله هو الذي سخره لك.

الكلمة الخامسة: قوله: { واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك} الأمة كلها من أولها إلى آخرها لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وعلى هذا فإن نفع الخلق الذي يأتي للإنسان فهو
من الله في الحقيقة، لأنه هو الذي كتبه له وهذا حث لنا على أن نعتمد على الله تعالى ونعلم أن الأمة لا يجلبون لنا خيراً إلا بإذن الله عزوجل.

الكلمة السادسة: { وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك} وعلى هذا فإن نالك ضرر من أحد فاعلم أن الله قد كتبه عليك فارض بقضاء الله
وبقدره ولا حرج أن تحاول أن تدفع الضر عنك لأن الله تعالى قال: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40].
الكلمة السابعة:
{ رفعت الأقلام وجفت الصحف } يعني أن ما كتبه الله تعالى قد انتهى فالأقلام رفعت والصحف جفت ولا تبديل لكلمات الله. رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وفي رواية غير الترمذي: { احفظ الله تجده أمامك } وهذا بمعنى: { احفظ الله تجده اتجاهك }.
{ تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة } يعني قم بحق الله عزوجل في حال الرخاء، وفي حال الصحة، وفي حال الغنى { يعرفك في الشدة } إذا زالت عنك الصحة وزال عنك الغنى واحتجت إلى الله عرفك بما سبق لك، أو بما سبق من فعل الخير الذي تعرفت به إلى الله عزوجل.
{ واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك } يعني أن ما قدر الله تعالى أن يصيبك فإنه لا يخطئك، بلا لابد أن يقع، لأن الله قدره. وأن ما كتب الله أن يخطئك رفعه عنك فلن يصيبك أبداً فالأمر كله بيد الله وهذا يؤدي إلى أن يعتمد الإنسان على ربه اعتماداً كاملاً ثم قال: { واعلم أن النصر مع الصبر } فهذه الجملة فيها الحث على الصبر، لأنه إذا كان النصر مع الصبر فإن الإنسان يصبر من أجل أن ينال الصبر.

وقوله: { وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً } الفرج انكشاف الشدة والكرب الشديد جمعه كروب كمال قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].
في حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنها فوائد:
من فوائده: ملاطفة النبي لمن هو دونه حيث قال: { يا غلام إني أعلمك كلمات }.
ومن فوائده: أنه ينبغي لمن ألقى كلاماً ذا أهمية أن يقدم له ما يوجب لفت الانتباه حيث قال: {يا غلام إني أعلمك كلمات }.
ومن فوائد الحديث: أن من حفظ الله حفظه لقوله: { احفظ الله يحفظك } وسبق معنى احفظ الله يحفظك.
ومن فوائد الحديث: أن من أضاع الله - أي أضَاع دين الله - فإن الله يضيعه ولا يحفظه قال تعالى:وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19].
ومن فوائد هذا الحديث: أن من حفظ الله عز وجل هداه ودله على ما فيه الخير، وأن من لازم حفظ الله له أن يمنع عنه الشر إذ قوله: { احفظ الله تجده تجاهك } كقوله في اللفظ الآخر: {تجده أمامك }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا احتاج إلى معونة فليستعن بالله ولكن لا مانع أن يستعين بغيرالله ممن يمكنه أن يعينه لقوله النبي : { وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة }.
ومن فوائد الحديث:أن الأمة لن تستطيع أن ينفعوا أحداً إلا إذا كان الله قد كتبه له ولن يستطيعوا أن يضروا أحداً إلا أن يكون الله تعالى قد كتب ذلك عليه. أنه يجب على المرء أن يكون معلقاً رجاؤه بالله عزوجل وأن لا يلتفت إلى المخلوقين فإن المخلوقين لا يملكون له ضراً ولا نفعاً.
ومن فوائد هذا الحديث: أن كل شيء مكتوب منتهى منه، فقد ثبت عن النبي أن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
ومن فوائد الحديث: في الرواية الأخرى أن الإنسان إذا تعرف إلى الله بطاعته في الصحة والرخاء، عرفه الله تعالى في حال الشدة فلطف به وأعانه وأزال شدته.
ومن فوائده: أن الإنسان إذا كان قد كتب الله عليه شيئاً فإنه لا يخطئه، وأن الله إذا لم يكتب عليه شيء فإنه لا يصيبه.
ومن فوائد هذا الحديث: البشارة العظيمة للصابرين وأن النصر مقارن للصبر.
ومن فوائده: البشارة العظيم أيضاً بأن تفريج الكربات وإزالة الشدات مقرون بالكرب فكلما كرب الإنسان الأمر فرج الله عنه.
ومن فوائده أيضاً: البشارة العظيمة أن الإنسان إذا أصابه العسر فلينتظر اليسر وقد ذكر الله تعالى ذلك في القران فقال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6] فإذا عسرت بك الأمور فالتجئ إلى الله عز وجل منتظراً تيسيره مصدقاً بوعده.

الحديث العشرون
الحديث العشرون: الحياء من الإيمان
نص الحديث
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضى الله عنه قال:قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:{ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت }.
[رواه البخاري:3483].

شرح الحديث: { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت} يعني أن من بقايا النبوة الأولى التي كانت في الأمم السابقة.
وأقرتها هذه الشريعة { إذا لم تستح فاصنع ما شئت} يعني إذا لم تفعل فعلاً يستحى منه فاصنع ما شئت هذا أحد وجهين، أي ففعله في المعنى الثاني أن الإنسان إذا لم يستح يصنع ما شاء ولا يبالي وكلا المعنين صحيح.
يستفاد من هذا الحديث:أن الحياء من الأشياء التي جاءت بها الشرائع السابقة، وأن الإنسان ينبغي له أن يكون صريحاً، فإذا كان الشيء لا يستحى منه فليفعله وهذا الإطلاق مقيد
بما إذا كان في فعله مفسدة فإنه يمتنع الفعل خوفاً من هذه المفسدة.

الحديث الحادي والعشرون
الحديث الحادي والعشرون: الاستقامه بالإسلام
نص الحديث
عن أبي عمرو، وقيل: أبي عمرة ؛ سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ! قـل لي في الإسـلام قـولاً لا أسـأل عـنه أحــداً غـيـرك، قـال: { قُــل آمـنـت بالله، ثـم اسـتـقم }.
[رواه مسلم:38].

شرح الحديث
قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: { قل آمنت بالله ثم استقم } يعني قولاً يكون جامعاً واضحاً بيّناً لا أسأل أحداً غيرك فيه، فقال له النبي : { قل آمنت بالله ثم استقم }
آمنت بالله هذا بالقلب، والاستقامة تكون بالعمل، فأعطاه النبي كلمتين تتضمنان الدين كله فآمنت بالله يشمل إيماناً بكل ما أخبر الله به عزوجل عن نفسه وعن اليوم الآخر وعن رسله وعن كل ما أرسل به، وتتضمن أيضاً الانقياد ولهذا قال: { ثم استقم } وهو مبني على الإيمان ومن ثم أتي بـ { ثم} الدالة على الترتيب والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومتى بنى الإنسان حياته على هاتين الكلمتين فهو سعيد في الدنيا وفي الآخرة.
في هذا الحديث من فوائد:حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال عما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
ومنها عقل أبي عمرو أو أبي عمرة، حيث سأل هذا السؤال العظيم الذي في النهاية ويستغني عن سؤال أي أحد، حيث قال: { قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك }.
ومنها أنه أجمع وصية وأنفع وصية ما تضمنه هذا الحديث، الإيمان بالله ثم الاستقامةعلى ذلك بقوله: { آمنت بالله ثم استقم }.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإيمان بالله لا يكفي عن الاستقامة، بل لا بد من إيمان بالله واستقامة على دينه.
ومن فوائد هذا الحديث:أن الدين الإسلامي مبني على هذين الأمرين، الإيمان ومحله القلب ، والاستقامة ومحلها الجوارح، وإن كان للقلب منها نصيب لكن الأصل أنها في الجوارح. والله أعلم.

الحديث الثاني والعشرون

الحديث الثاني والعشرون: الطريق إلى الجنة
نص الحديث
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل رسول الله ، فقال:( أرأيت إذا صليت المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً؛ أأدخل الجنة ؟ ) قال: { نعم }.
[رواه مسلم:15].

شرح الحديث
قال النووي: ( ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته... ومعنى الحلال: فعلته معتقداً حله ).
قال الشيخ رحمه الله:

الحديث الثاني والعشرون: عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما أن رجلاً سأل رسول الله فقال: ( أرأيت ) بمعني: أخبرني.

( أرأيت إذا صليت المكتوبات ) بمعنى الفرائض، وهي الفرائض الخمس والجمعة.
( وصمت رمضان ) وهو الشهر الذي بين شعبان وشوال.
( وأحللت الحلال ) أي فعلته معتقداً حله.
( وحرمت الحرام ) أي اجتنبته معتقداً تحريمه.
( ولم أزد على ذلك، أأدخل الجنة؟ قال: { نعم } [رواه مسلم] ).

في هذا الحديث
يسأل الرجل رسول الله إذا صلى المكتوبات وصام رمضان وأحل الحلال وحرم الحرام ولم يزد على ذلك شيئاً هل يدخل الجنة ؟ قال: { نعم }.

وهذا الحديث لم يذكر فيه الزكاة ولم يذكر فيه الحج، فإما أن يقال: إن ذلك داخلاً في قوله: (حرمت الحرام ) لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام.

ويمكن أن يقال: أما بالنسبة للحج فربما يكون هذا الحديث قبل فرضه، وأما بالنسبة للزكاة فلعل النبي علم من حال هذا الرجل أنه فقير وليس من أهل الزكاة فخاطبه على قدر حاله.

في هذا الحديث من الفوائد:حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي . وفيه: أن الغاية من هذه الحياة هي دخول الجنة.

وفيه أيضاً: أهمية الصلوات المكتوبات، وأنها سبب لدخول الجنة مع باقي ما ذكر في الحديث.

وفيه أيضاً: أهمية الصيام، وفيه وجوب إحلال الحلال وتحريم الحرام، أي أن يفعل الإنسان الحلال معتقداً حله وأن يتجنب الحرام معتقداً تحريمه، ولكن الحلال يخير فيه الإنسان إن شاء فعله وإن شاء لم يفعله، أما الحرام فلا بد أن يتجنبه ولا بد أن يصطحب هذا اعتقاداً. تفعل الحلال معتقداً حله، والحرام تجتنبه معتقداً تحريمه.

ومن فوائد هذا الحديث:أن السؤال معادٌ في الجواب فإن قوله: { نعم } يعني تدخل الجنة.

قال النووي رحمه الله: ( ومعنى حرمت الحرام: اجتنبته ) وينبغي أن يقال: ( اجتنبته معتقداً تحريمه) والله أعلم.

الحديث الثالث والعشرون

الحديث الثالث والعشرون: جوامع الخير
نص الحديث
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأن - أو: تملأ - ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك؛ كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها }.
[رواه مسلم:223].

شرح الحديث
عن أبي مالك - الحارث بن عاصم - الأشعري قال: قال رسول الله : { الطهور شطر الإيمان } بضم الطاء يعني الطهارة.شطر الإيمان أي نصفه وذلك أن الإيمان تخلي وتحلي، أما التخلي فهو التخلي عن الإشراك، لأن الشرك بالله نجاسة كما قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28].فلهذا كان الطهور شطر الإيمان، وقيل: إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان، لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور... لكن المعنى الأول أحسن وأعم.
وقال: { والحمد لله تملأ الميزان } الحمد لله تعني: وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية، { تملأ الميزان } أي ميزان الأعمال لأنها عظيمة عند الله عزوجل ولهذا قال النبي : {كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم }.
وقال: { سبحان الله والحمد لله } يعني الجمع بينهما { تملأ } أو قال: { تملئان ما بين السماء والأرض} وذلك لعظمهما ولاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وعلى إثبات
الكمال لله عزوجل، ففي التسبيح تنزيه الله عن كل نقص، وفي الحمد وصف الله تعالى بكل كمال، فلهذا كانتا تملان ما بين السماء والأرض.

ثم قال: { والصلاة نور } يعني: أن الصلاة نور في القلب وإذا استنار القلب استنار الوجه، وهي كذلك نور يوم القيامة قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ... [الحديد:12]. وهي أيضاً نور بالنسبة للاهتداء والعلم وغير ذلك من كلما فيه النور.

وقال: { والصدقة برهان } أي دليل على صدق صاحبها، وأنه يحب التقرب إلى الله وذلك لأن المال محبوب إلى النفوس ولا يصرف المحبوب إلا في محبوب أشد منه حباً وكل إنسان يبذل المحبوب من أجل الثواب المرتجى وهو برهان على صحة إيمانه وقوة يقينه.

قال: { والصبر ضياء } الصبر أقسامه ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر على معصية الله، وصبر على أقدار الله.

وقال: { ضياء } نوراً مع حرارة كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يونس:5].

والشمس فيها النور والحرارة، والصبر كذلك لأنه شاق على النفس فهو يعاني كما يعاني الإنسان من الحرارة ومن الحار.

وقال أيضاً: { والقرآن حجة لك أو عليك } والقرآن حجة لك، أي عند الله عزوجل أو حجة عليك ...

فإن عملت به كان حجة لك، وإن أعرضت عنه كان حجة عليك، ثم بين النبي أن كل الناس يغدون، أي يذهبون الصباح إلي أعمالهم.

وقال: { فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} كل الناس يغدون ويكدحون ويتعبون أنفسهم، فمنهم من يعتق نفسه ومنم من يوبقها أي يهلكها بحسب عمله، فإن عمل بطاعة الله واستقام على شريعته فقد اعتق نفسه، أي: حررها من رق الشيطان.

ففي الحديث فوائد:

1 - الحث على الطهور وبيان منزلته من الدين، وأنه شطر الإيمان.

2 - الحث على حمد الله وتسبيحه، وأن ذلك يملأ الميزان، وأن الجمع بين التسبيح والحمد يملأ ما بين السماء والأرض.

3 - الحث على الصلاة، وأنها نور يتفرع على هذه الفائدة أنها تفتح للإنسان باب العلم والفقه.

4 - الحث على الصدقة، وبيان أنها برهان، ودليل عل صدق إيمان صاحبها.

5 - الحث على الصبر وأنه ضياء وأنه يحصل منه مشقة على الإنسان كما تحصل المشقة بالحرارة.

6 - أن القرآن حجة للإنسان أوعليه، وليس هناك واسطة بحيث لا يكون حجة للإنسان أو حجة عليه، بل إما كذا وإما كذا، فنسأل الله أن يجعله حجة لنا نافعاً لنا.

ومن فوائد الحديث:أن كل الناس لا بد أن يعملوا لقوله: { كل الناس يغدو } وثبت عن النبي أنه قال: { أصدق الأسماء حارث وهمام } لأن كل إنسان حارث وهمام.

ومن فوائد الحديث:أن العامل إما أن يعتق نفسه وإما أن يوبقها، فإن عمل بطاعة الله واجتنب معصيته فقد أعتق نفسه وحررها من رق الشيطان وإن كان الأمر بالعكس فقد
أوبقها، أي أهلكها.
ومن فوائد الحديث:أن الحرية حقيقة هي: القيام بطاعة الله وليست إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل شيء أراده، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
هربوا من الرق الذي خلقوا له * وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله، فإنه سيبقى في رق الشيطان ويكون عابدا للشيطان.

الحديث الرابع والعشرون

الحديث الرابع والعشرون: من فضل الله على الناس
نص الحديث
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، عن النبي صلي الله علية وسلم، فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، أنه قال:

{ يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي، وجعـلته بيـنكم محرماً؛ فلا تـظـالـمـوا }
{ يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم }
{ يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم }
{ يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم }
{ يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم }
{ يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني }
{ يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً }
{ يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا علي أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً }
{يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر }
{ يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.
[رواه مسلم:2577].

شرح الحديث
عن أبي ذر الغفاري عن النبي وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل وهذا الحديث وأشباهه يسمى الحديث القدسي، لأنه يرويه النبي عن الله عز وجل قال: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما } فبين الله عز وجل في هذا الحديث أنه حرم الظلم على نفسه فلا يظلم أحداً لا بزيادة سيئة ولا بنقص حسنة كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه:112].

{ وجعلته بينكم محرماً } أي جعلت الظلم بينكم محرماً، فيحرم عليكم أن يظلم بعضكم بعضاً، ولهذا قال: { فلا تظالموا } والفاء للتفريع على ما سبق { يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم } العباد كلهم ضال في العلم وفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله، ولهذا قال: { فاستهدوني أهدكم } أي اطلبوا مني أهدكم، والهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق، { يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم }، وهذه كالتي قبلها بين سبحانه وتعالى أن العباد كلهم جياع إلا من أطعمه الله ثم يطلب من عباده أن يستطعموه ليطعمهم، وذلك لأن الذي يخرج الزرع ويدر
الضرع هو سبحانه وتعالى كما قال سبحانه وتعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة:63-65] ثم المال الذي يحصل بها للحرث هو لله عزوجل.

{ يا عبادي كلكم عار } أي قد بدت عورته إلا من كساه الله ويسر له الكسوة، ولهذا قال: { إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم }اطلبوا مني الكسوة أكسكم، لأن كسوة بني ادم مما أخرجه الله تعالى من الأرض، ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك.

{ يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم } وهذا كقوله في الحديث الصحيح: { كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون } فالناس يخطئون ليلاً ونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهو مخالفة أمر الله ورسوله بفعل المحذور أو ترك المأمور، ولكن هذا الخطأ له دواء – ولله الحمد – وهو قوله: { فاستغفروني أغفر لكم } أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه.

{ يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني } لأن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين ولو كفر كل أهل الأرض فلن يضروا الله شيئاً، ولو آمن كل أهل الأرض لن ينفعوا الله شيئاً، لأنه غني بذاته عن جميع مخلوقاته.

{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا }. لأن طاعة الطائع إنما تنفع الطائع نفسه أما الله عزوجل فلا ينتفع بها لأنه غني عنها، فلو كان الناس كلهم على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك ملك الله شيئاً.

{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لأن الله غني عنا، فلو كان الناس والجن على أفجر قلب رجل مانقص ذلك من ملك الله شيئاً.

{ ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال جوده وكرمه وسعة ما عنده، فإنه لو أعطى كل إنسان مسألته لم ينقصه شيئاً، وقوله: { إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر }
وهذا من باب تأكيد عدم النقص، لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاً لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء.

{ يا عبادي إنما أعمالكم أحصيها لكم } أي أعدها لكم وتكتب على الإنسان ] ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } ومع هذا فإنه سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم.

وهذا حديث عظيم حديث أبي ذر الغفاري فيما يرويه عن النبي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {إني حرمت الظلم على نفسي } وقد شرحه شيخ الإسلام رحمه الله في رسالة جيدة كما شرحه ابن رجب ضمن الأحاديث الأربعين النووية.

وفيه من الفوائد: رواية النبي عن ربه وهو ما يسميه أهل العلم بالحديث القدسي.

ومن فوائده: أن الله عزوجل حرم الظلم عل نفسه لكمال عدله جل وعلا، فهو قادر على أن يظلم، قادر على أن يبخس المحسن من حسناته وأن يضيف إلى المسيء أكثر من سيئاته
ولكنه لكمال عدله حرم ذلك على نفسه جل وعلا.

ومن فوائده: أن الظلم بيننا محرم وقد بين الرسول أنه يكون في الدماء والأموال والأعراض قال عليه الصلاة والسلام في مِنى يوم { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الإنسان الضلال والجهل بقوله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78] وقوله في هذا الحديث: { يا عبادي كلكم ضال إلامن هديته فاستهدوني أهدكم }. والأصل فيه أيضاً الغي والظلم.

ومن فوائده: وجوب طلب الهداية من الله لقوله تعالى في الحديث { استهدوني أهدكم }.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان بل كل العباد جائعون مضطرون إلى الطعام إلا من أطعمه
الله عزوجل , ويترتب على هذهالفائدة سؤال الإنسان ربه واستغناؤه بسؤال الله عن سؤال عباد الله , ولهذا قال - فاستطعموني أطعمكم - .

ومن فوائد هذا الحديث: أن العباد عراة إلا من كساه الله عزوجل ويسر له الكسوة وسهلها له، ولهذا قال: { فاستكسوني أكسكم } أي اطلبوا مني الكسوة أكسيكم، وإنما ذكر الله عز وجل العري بعد ذكر الطعام، لأن الطعام كسوة الداخل واللباس كسوة الظاهر.

ومن فوائد هذا الحديث: أن بني آدم خطاء يخطئون كثيراً في الليل والنهار، ولكن هذا الخطأ
يقابله مغفرة الله عز وجل لكل ذنب، وأن الله يغفر الذنوب جميعاً، كما قال
تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53]، ويترتب على هذا أن الإنسان يعرف قدر نفسه، فكلما أخطأ استغفر الله عز وجل.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذنوب مهما كثرت فإن الله تعالى يغفرها إذا استغفر الله الإنسان ربه، لقوله تعالى في الحديث القدسي: { وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفرلكم } وقوله: { يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولنتبلغوا نفعي فتنفعوني } وذلك لأن الله سبحانه وتعالى مستغن عن جميع خلقه، ومن أسمائه العزيز وهو الذي عز أن يناله ضرر، وكذلك هو الغني الحميد فلا حاجة إلى أن يسعى أحد لنفعه ولن يبلغ أحد ضرره لكمال غناه جل وعلا.

{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً } وذلك لكمال غناه عزوجل فلو كان الناس كلهم من إنس وجن على أتقى قلب رجل فأن ذلك لا يزيد من ملك الله شيئاًً.

{ يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئاً }
وذلك لكمال غناه فلا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين
والمقصود من هاتين الجملتين: الحث على طاعة الله عز وجل والبعد عن معصيته.

{ ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } وذلك لكمال غناه جل وعلا وسعته، فيستفاد من هذه الجملة: أن الله سبحانه وتعالى واسع الغنى والكرم وقوله: {إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر } سبق لنا أن المقصود بذلك المبالغة في أن ذلك لا ينقص من الله شيئاً.

وقوله: { يا عبادي إنما أعمالكم ...} الخ فيستفاد منها الحث على العمل الصالح حتى يجد الإنسان الخير.

ومن فوائده أيضاً: أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم الناس شيئاً.

ومن فوائده: أن العاصي سوف يلوم نفسه إذا كان في وقت لا ينفعه اللوم ولا الندم لقوله: {ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه }.

الحديث الخامس والعشرون
الحديث الخامس والعشرون: فضل الذكر
نص الحديث
عن أبي ذر أيضاً، أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور؛ يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويـتـصـدقــون بفـضـول أمـوالهم. قـال : { أولـيـس قـد جعـل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وفي بضع أحـد كم صـدقـة }.
قالوا : يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر }.
[رواه مسلم:1006].

شرح الحديث
يعني بالإضافة إلى الحديث السابق القدسي أن أناساً من أصحاب رسول الله قالوا للنبي { يا رسول الله } وهؤلاء فقراء، قالوا: { يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور } يعني أهل الأموال ذهبوا بالأجور، يعني اختصموا بها.

{ يُصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم } فهم شاركوا الفقراء في الصلاة والصوم وفضولهم في الصدقة.

قال النبي : { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون... } إلخ.

لما اشتكى الفقراء إلى رسول الله أنه ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقون بفضول أموالهم يعني والفقراء لا يتصدقون. بيّن لهم
النبي الصدقة التي يطيقونها فقال: { أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن لكم بكل تسبيحة صدقة } يعني أن يقول الإنسان سبحان الله صدقة { وبكل تكبيره صدقة } يعني إذا قال: ( الله أكبر ) فهذه صدقة { وكل تحميده صدقة } يعني إذا قال: ( الحمد لله ) فهذه صدقة { وكل تهليلة صدقة } يعني إذا قال: ( لا إله إلا الله ) فهذه صدقة { وأمر بالمعروف } يعني إذا أمر شخصاً أن يفعل طاعة فهذه صدقة { ونهي عن منكر } يعني إذا نهى شخصاً عن منكر فإن ذلك صدقة { وفي بضع أحدكم صدقة } يعني إذا أتى الرجل زوجته فإن ذلك صدقة وكل له فيها أجر ذكروا ذلك لتقرير قوله { وفي بضع أحدكم صدقة } وليس للشك في هذا، لأنهم يعلمون أن ما قاله النبي فهو حق لكن أرادوا أن يقرروا ذلك فقالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟
ونظير ذلك قول زكريا عليه السلام: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ[آل عمران:40] ... أراد أن يقرر ذلك ويثبته مع أنه مصدق به.

قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ } والجواب: نعم يكون عليه وزر قال: {فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر } وهذا القياس سمونه قياس العكس يعني كما أن عليه وزراً في الحرام يكون له أجراً في الحلال فقال { فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.
في هذا الحديث من الفوائد:
حرص الصحابة رضي الله عنهم على السبق إلى الخيرات.
ينبغي للإنسان إذا ذكر شيئاً أن يذكر وجهه لأن الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا: ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) بيّنوا وجه ذلك فقالوا: ( يصلون كما نصلي... ) إلخ.
أن كل قول يقرب إلى الله تعالى فهو صدقة كالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكله صدقة.
الترغيب في الإكثار من هذه الأذكار، لأن كل كلمة منه تعتبر صدقة تقرب المرء إلى الله عزوجل.
أن الاكتفاء بالحلال والحرام يجعل الحلال قربة وصدقة لقوله : { وفي بضع أحدكم صدقة }.
جواز الاستثبات في الخبر ولو كان صادراً من صادق لقولهم: ( أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ ).
حسن تعليم الرسول بإيراد كلامه على سبيل الاستفهام حتى يقنع المخاطب بذلك ويطمئن قلبه، وهذا قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن بيع

الحديث السادس والعشرون
الحديث السادس والعشرون: كثرة طرق الخير
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي
الله عنه، قال: قال رسول الله : { كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها أوترفع له عليها متاعة صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلي الصلاة صدقة، وتميط الأذي عن الطريق صدقة }.
[رواه البخاري:2989، ومسلم:1009].

شرح الحديث
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { كل سُلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس } كل سُلامى أي كل عضو ومفصل من الناس عليه صدقة { كل يوم تطلع فيه الشمس } أي صدقة في كل يوم تطلع فيه الشمس فقوله { كل سُلامى } مبتدأ و { عليه صدقة} جملة خبر المبتدأ {وكل يوم} ظرف، والمعنى أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكراً لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط بل هي أنواع.

{ تعدل بين اثنين صدقة } أي تجد اثنين متخاصمين فتحكم بينهما بالعدل فهذه صدقة وهي أفضل الصدقات لقوله تبارك وتعالى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ... [النساء:114]

{ وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة} وهذا أيضاً من الصدقات أن تُعين أخاك المسلم في دابته إما أن تحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه أو ترفع له على دابته متاعه يعني - عفشه - هذا أيضاً لأنها إحسان والله يحب المحسنين.

{ والكلمة الطيبة صدقة} الكلمة الطيبة، كل كلمة تقرب إلى الله كالتسبيح والتهليل والتكبير
والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقراءة القران وتعليم العلم، وغير ذلك كل كلمة طيبة فهي صدقة.

{ وبكل خطوة تخطوها إلى الصلاة فإنها صدقة} وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن الإنسان إذا توضأ في بيته وأسبغ الوضوء ثم خرج من بيته إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لا يخطو خطوة إلا رفع الله له بها درجة وحط بها خطيئة.

{ وتميط الأذى عن الطريق صدقة} إماطة الأذى يعني إزالة الأذى عن الطريق، والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجر أو زجاج أو شوك أوغير ذلك وسواء أكان يؤذيهم من الأرض أو يؤذيهم من فوق كما لو كان هناك أغصان شجرة متدلية تؤذي الناس فأماطها فإن هذه صدقة.

وفي هذا الحديث فوائد منها:
1 - أن كل إنسان عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس على عدد مفاصله وقد قيل إن المفاصل ثلاثمائة وستون مفصلاً –والله أعلم.

2 - أن كلما يقرب إلى الله من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة، وما ذكره النبي فهو أمثلة على ذلك وقد جاء في حديث آخر: { أن يجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى }.

الحديث السابع والعشرون

الحديث السابع والعشرون: تعريف البر والإثم
نص الحديث
عن النواس بن سـمعـان رضي الله عـنه، عـن النبي صلى الله عـليه وسلم قـال: { الـبـر
حـسـن الـخلق والإثـم ما حـاك في نـفـسـك وكـرهـت أن يـطـلع عــلـيـه الـنـاس }.
[رواه مسلم:2553].

وعن وابصه بن معبد رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: { جئت تسأل عن البر؟ } قلت: نعم؛ فقال: { استفت قلبك؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك }.
[حديث حسن، رويناه في مسندي الإمامين أحمد بن حنبل:4/ 227، والدارمي:2/ 246 بإسناد حسن].

شرح الحديث
عن النواس بن سمعان عن النبي قال: { البر حسن الخلق} البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخير، وحسن الخلق يعني أن يكون الإنسان واسع البال منشرح الصدر والسلام مطمئن القلب حسن المعاملة، فيقول عليه الصلاة والسلام: { إن البر حسن الخلق } فإذا كان الإنسان حسن الخُلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرح صدره للإسلام واطمأن قلبه بالإيمان وخالق الناس بخلق حسن، وأما الإثم فبيّنه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه: { ما حاك في نفسك} وهو يخاطب النواس بن سمعان، والنواس ابن سمعان صحابي جليل فلا يحيك في نفسه ويتردد في نفسه ولا تأمنه النفس إلا ما كان إثماً ولهذا قال: { ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس} وأما أهل الفسق والفجور فإن الآثام لا تحيك بنفوسهم ولا يكرهون أن يطلع عليها الناس بل بعضهم يتبجح ويخبر بما يصنع من الفجور والفسق، ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فإنه إذا هم بسيئة حاك ذلك في نفسه وكره أن يطلع الناس على ذلك، وهذا الميزان الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام إنما يكون مع أهل الخير والصلاح.

ومثل الحديث عن وابصة بن معد قال: أتيت النبي فقال: { جئت تسأل عن البر؟ } قلت: نعم، قال: {استفت قلبك } يعني لا تسأل أحداً واسأل قلبك واطلب منه الفتوى { البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }، فمتى وجدت نفسك مطمئنة وقلبك مطمئن إلى شيء فهذا هو البر فافعله {والإثم ما حاك نفسك } في النفس وتردد في الصدر، فإذا رأيت هذا الشيء حاك في نفسك وتردد في صدرك فهو إثم، قال: { وإن أفتاك الناس وأفتوك} يعني إن أفتاك الناس بأنه ليس فيه إثم وأفتوك مرة بعد مرة، وهذا يقع كثيراً تجد الإنسان يتردد في الشيء ولا يطمئن إليه ويتردد فيه ويقول له الناس: هذا حلال وهذا لابأس به، لكن لم ينشرح صدره بهذا ولم تطمئن إليه نفسه فيقال: مثل هذا إنه إثم فاجتنبه.

ومن فوائد هذا الحديث والذي قبله: فضيلة حسن الخلق حيث فعل النبي حسن الخلق هو البر.

ومن فوائده أيضاً: أن ميزان الإثم أن يحيك بالنفس ولا يطمئن إليه القلب.

ومن فوائده:
أن المؤمن يكره أن يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذي لا يبالي، فإنه لا يهتم إذا اطلع الناس على عيوبه.

ومن فوائدهما: فراسة النبي حيث أتى إليه وابصة فقال: { جئت تسأل عن البر ؟ }.

ومن فوائدهما: إحالة حكم الشيء إلى النفس المطمئنة التي تكره الشر وتحب الخير، لقوله: {البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب }.

ومن فوائد الحديثين أيضاً:
أن الإنسان ينبغي له أن ينظر إلى مايكون في نفسه دون ما يفتيه الناس به فقد يفتيه الناس الذين لا علم لهم بشيء لكنه يتردد فيه ويكرهه فمثل هذا لا يرجع إلى فتوى الناس وإنما يرجع إلى ما عنده.

ومن فوائدهما: أنه متى أمكن الاجتهاد فإنه لايعدل إلى التقليد لقوله: { وإن أفتاك الناس وأفتوك}.

الحديث الثامن والعشرون
الحديث الثامن والعشرون: السمع والطاعة*
*نص الحديث*
عن أبي نجـيـج العـرباض بن سارية رضي الله عنه، قال: وعـظـنا رسول الله صلي الله عليه وسلم موعـظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، فـقـلـنا: يا رسول الله !
كأنها موعـظة مودع فـأوصنا، قال: { أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعــش منكم فسيرى اخـتـلافـا كثيراً، فعـليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين المهديين عـضو عـليها بالـنـواجـذ، واياكم ومـحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلاله }.
[رواه أبو داود:4607، والترمذي:2676، وقال: حديث حسن صحيح].

شرح الحديث
قوله: { وعظنا } الوعظ: هو التذكير المقرون بالترغيب أو الترهيب، وكان النبي يتخول أصحابه بالموعظة ولا يكثر عليهم مخافة السآمة، قوله: { وجلت منها القلوب } أي خافت، {وذرفت منها العيون } أي بكت حتى ذرفت دموعها، ( فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا ) لأن موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية فأوصنا قال: { أوصيكم بتقوى الله عزوجل } وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم استغلوا هذه الفرصة ليوصيهم النبي بما فيه خير، قال: { أوصيكم بتقوى الله عزوجل } وتقوى الله اتخاذ وقاية من عقابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه وهذا حق الله عزوجل { والسمع والطاعة } يعني لولاة الأمور أي اسمعوا ما يقولون وما به يأمرون واجتنبوا ما عنه ينهون، e]وإن تأمر عليكم عبد } يعني وإن كان الأميرعبداً فأسمعوا له وأطيعوه، وهذا هو مقتضى عموم الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء:59].

قوله: { فإنه من يعش منكم} أي من تطول حياته فسيرى اختلافاً كثيراً، ووقع ذلك كما أخبرالنبي فقد حصل الاختلاف الكثير في زمن الصحابة رضي الله عنهم ثم أمر بأن نلتزم بسنته أي بطريقته وطريقة الخلفاء الراشدين المهدين، والخلفاء الذين خلفوا النبي في أمته علماً وعبادة ودعوة وعلى رأسهم الخلفاء الأربعة أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
{ المهديين } وصف كاشف، لأن كل رشاد فهو مهدي ومعنى المهدين الذين هدوا أي هداهم الله عزوجل لطريق الحق.

{ عضو عليها بالنواجذ } وهي أقصى الأضراس وهو كناية عن شدة التمسك بها، ثم حذر النبي من محدثات الأمور فقال: { إياكم } أي أحذركم من محدثات الأمور، وهي ما أحدث في الدين بلا دليل شرعي وذلك لأنه لما لأمر بلزوم السنة والحذر من البدعة وقال: { فإن كل بدعة ضلالة } [رواه أبوداود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].

وفي الحديث فوائد منها: حرص النبي على موعظة أصحابه، حيث يأتي بالمواعظ المؤثرة التي توجل لها القلوب وتذرف منها الأعين. ومنها: أن الإنسان المودع الذي يريد أن يغادر إخوانه ينبغي له أن يعظهم موعظة تكون ذكرى لهم، موعظة مؤثرة بليغة، لأن المواعظ عند الوداع لا تنسى.
- ومنها: الوصية بتقوى الله عزوجل، فهذه الوصية هي وصية الله في الأولين والآخرين لقوله تعالى:وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه [النساء:131].

- ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وقد أمر الله بذلك في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]... وهذا الأمر مشروط بأن لا يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في معصية الله لقول النبي : { إنما الطاعة في المعروف } ومن هنا نتبين الفائدة في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ... حيث لم يعد الفعل عند ذكر طاعة أولياء الأمور بل جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي على موعظة أصحابه كما أنه حريص على أن يعظهم أحياناً بتبليغهم الشرع، فهو أيضاً يعظهم مواعظ ترقق القلوب وتؤثر فيها.

- ومنها: أن ينبغي للواعظ أن يأتي بموعظة مؤثرة في الأسلوب وكيفية الإلقاء ولكن بشرط ألا
يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، لأن بعض الوعاظ يأتي بالأحاديث الضعيفة والموضوعة يزعم بأنها تفيد تحيرك القلوب، ولكنها وإن أفادت في هذا تضر، فقد ثبت عن النبي أنه قال: {من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن العادة إذا أراد شخص أن يفارق أصحابه وإخوانه فإنه يعظهم موعظة بليغة، لقوله: { كأنها موعظة مودع }.

- ومنها: طلب الوصية من أصحاب العلم.

ومنها: أن لا وصية أفضل ولا أكمل من الوصية بتقوى الله عز وجل، قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقد سبق شرحها , وقد سبق شرحها.

ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كانوا عبيداً لقوله : { والسمع والطاعة وإن تأمر عليك عبدٌ } لأن السمع والطاعة لهم تنتفي به شرور كثيرة وفوضى عظيمة.

ومن فوائد الحديث: ظهور آية من آيات الرسول حيث قال: { من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً } والذين عاشوا من الصحابة رأوا اختلافاً كثيراً كما يعلم ذلك من التاريخ.

ومن فوائد الحديث: لزوم التمسك بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا سيما عند الاختلاف والتفرق ولهذا قال: { فعليكم بسنتي }.

ومنها: أنه ينبغي التسمك الشديد حتى يعض عليها بالنواجذ، لئلا تفلت من الإنسان.

ومن فوائد الحديث:
التحذير من محدثات الأمور، والمراد بها المحدثات في الدين، وأما ما يحدث في الدنيا فينظر فيه إذا كان فيه مصلحة فلا تحذيرمنه، أما ما يحصل في الدين فإنه يجب الحذر منه لما فيه التفرق في دين الله، والتشتت وتضيع الأمة بعضها بعضاً.

ومن فوائد الحديث:
أن كل بدعة ضلالة، وأنه ليس في البدع ما هو مستحسن كما زعمه بعض العلماء، بل كل البدع ضلالة فمن ظن أن البدعة حسنة فإنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أنها ليست بدعة وظنها الناس بدعة، وإما أنها ليست حسنة وظن هو أنها حسنة، وأما أن تكون بدعة وحسنة فهذا مستحيل بقول النبي : { فإن كل بدعة ضلالة }.

الحديث التاسع والعشرون
الحديث التاسع والعشرون: أبواب الخير
نص الحديث
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ! أخبرني بعملٍ يدخلني الجنه ويباعدني عن النار، قال: { لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت } ثم قال: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟: الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يطفىء الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل } ثم تلا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ حتى بلغ يَعْمَلُونَ [السجدة:17،16] ثم قال: { ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ } قلت:
بلى يا رسول الله، قال: { رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد }. ثم قال: { ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ } فقلت: بلى يا رسول الله ! فأخذ بلسانه وقال: { كف عليك هذا }، قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال: { ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم – أو قال : (على مناخرهم ) - إلا حصائد ألسنتهم ؟! }.
[رواه الترمذي:2616، وقال: حديث حسن صحيح].

شرح الحديث
عن معاذ بن جبل قال: قلت: ( يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار)
الجنة هي الدار التي أعدها الله عزوجل لعباده المتقين، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والنار هي الدار التي أعدها الله عز وجل للكافرين، وفيها من العذاب الشديد ما هو معلوم في الكتاب والسنة، سأل عن هذا الأمر لأنه أهم شيء عنده وينبغي لكل مؤمن أن يكون هذا أهم شيء عنده، أن يدخل الجنة ويباعد عن النار.

وهذا هو غاية الفوز لقوله تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [ال عمران:185] فقال النبي : { لقد سألت عن عظيم } أي شيء ذي عظمة وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار ولكن قال: { وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه } ويحتمل أن يكون قوله: { عن عظيم } عن العمل الذي يدخل الجنة ويباعده عن النار { وإنه } أي ذلك العمل { ليسير عن من يسره الله تعالى عليه } أي سهل على من سهله الله عليه ثم فصل له ذلك بقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً } وعبادة الله سبحانه وتعالى هي القيام بطاعته امتثالاً لأمره واجتناباً لنهيه مخلصاً له { لا تشرك به شيئاً } أي لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، لأنه من شرط العبادة والإخلاص له عزوجل.

والأمر الثاني:
من العمل الذي يدخل الجنة ويباعد عن النار إقامة الصلاة حيث قال: { وتقيم الصلاة} ومعنى إقامتها أن تأتي بها مستقيمة تامة الأركان والواجبات والشروط وتكميلها بمكملاتها.

الأمر الثالث: { وتؤتي الزكاة }
وهي المال الذي أوجبه الله عز وجل يخرجه الإنسان من أموال معينة بشروط معروفة إلى أهلها المستحقين لها، وهذا معروف في كتب العلماء رحمهم الله.

الأمر الرابع: أي شهر رمضان وهو أيضاً معلوم والصوم هو التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.

الأمر الخامس: { وتحج البيت } أي تقصد البيت الحرام وهو الكعبة لأداء المناسك.

وهذه أركان الإسلام الخمسة، تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت.
وشهادة أن محمداً رسول الله داخلة في شهادة أن لا إله إلا الله إذا لم تذكر معها، لأن شهادة أن لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله ومن عبادة الله التصديق برسوله واتباعه.

ثم قال أي النبي : { ألا أدلك على أبواب الخير؟ } يعني على ما تتوصل به إلى الخير، كأنه قال نعم، فقال النبي : { الصوم جُنة } يعني أنه وقاية يقي من المعاصي في حال الصوم ويقيه من النار يوم القيامة ثم قال : { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار }
الصدقة: هي بذل المال للفقير المحتاج تقرباً لله سبحانه وتعالى وتقرباً وإحساناً إلى الفقير وهذه الصدقة تطفئ الخطيئة، أي ما أخطأ به الإنسان من ترك واجب أو فعل محرم { كما يطفئ الماء النار } وكلنا يعرف أن إطفاء الماء للنار لا يبقي من النار شيئاً، كذلك الصدقة لا تبقي من الذنوب شيئاً.

{ وصلاة الرجل في جوف الليل} أي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وجوف الليل وسطه وأفضل صلاة الليل النصف الثاني أو ثلث الليل بعد النصف الأول وقد كان داود عليه السلام ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ثم قرأ: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ[السجدة:17،16]..
قرأها استشهاداً بها، و الاية كما هو ظاهر فيها أنها تتجافى جنوبهم عن المضاجع يعني للصلاة في الليل وينفقون مما رزقهم الله وهاتان هما الصدقة وصلاة الليل اللتان ذكرها رسول الله في هذا الحديث.

ثم قال : { ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ } قلت بلى يا رسول الله، قال: { رأس الأمر الإسلام} يعني الشأن الذي هو أعظم الشئون ورأسه الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
وبالإسلام يعلو الإنسان على شرار عباد الله من الكفار والمشركينوالمنافقين،{ وعموده } أي عمود الإسلام {الصلاة} لأن عمود الشيء ما يبنى عليه الشيء ويستقيم به الشيء ولا يستقيم إلا به وإنما كانت الصلاة عمود الإسلام، لأن تركها يخرج الإنسان من الإسلام إلى
الكفر والعياذ بالله { وذروة سنامه الجهاد } في سبيل الله والسنام ما علا ظهر البعير وذروة أعلاه وإنما ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، لأن به يعلو المسلمون على أعدائهم.

ثم قال : { ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ } أي بما به ملاك هذا الأمر كله، فقلت بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه وقال: { كف عليك هذا } يعني لا تطلقه بالكلام لأنه خطر، ( قلت يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ ) هذه جملة استفهامية والمعنى هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به ؟

فقال النبي : { ثكلتك أمك } أي فقدتك حتى كانت ثكلى من فقدك، وهذه الجملة لا يراد بها معناها، وإنما يراد بها الحث والإغراء، على فهم ما يقال، فقال: { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ }، أوهنا للشك من الراوي هل قال النبي : { على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلاحصائد ألسنتهم } أي إلا ما تحصد ألسنتهم من الكلام والمعنى أن اللسان إذا أطلقه الإنسان كان سبباً أن يُكب على وجهه في النار والعياذ بالله.

وهذا الحديث فيه فوائد كثيرة:
حرص الصحابة رضي الله عنهم على الأعمال التي تدخلهم الجنة وتباعدهم من النار وأن هذا هو أهم شيء عندهم ولهذا سأل معاذ بن جبل النبي عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن
النار.

ومنها: إثبات الجنة والنار وهما الآن موجودتان وهما لا يفنيان أبداً.

ومنها: بيان أن سؤال معاذ بن جبل عظيم لأن عوضه عظيم والعوض على قدر المعوض ولهذا قال رسول الله : { لقد سألت عن عظيم } أي سألت عن عمل عظيم بدليل ما ترتب عليه من جزاء.

ثم بيّن النبي أن هذا الشيء العظيم يسير على من يسره الله عليه، فيستفاد من هذا أنه ينبغي
للإنسان أن يلجأ إلى الله عزوجل في طلب تيسير الأمور وليعلم أن من أسباب تيسير الله تقوى الله لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4].

ومن فوائد هذا الحديث: أن أول شيء وأعظمه توحيد الله عزوجل والإخلاص لله لقوله: { تعبد الله ولا تشرك به شيئاً }.

ومن فوائد هذا الحديث:
أهمية الصلاة لأن الرسول ذكرها بعد الإخلاص فإن قال قائل: أين الشهادةالثانية ؟ شهادة أن محمداً رسول الله، قلنا: إنها معلومة من قوله: {تعبد الله لا تشرك به شيئاً } وسبق بيان ذلك.

ومن فوائد الحديث: تقديم الزكاة على الصوم لأنها آكد.

ومن فوائد الحديث: تقديم الصوم على الحج لأنه يتكرر كل عام بخلاف الحج فإنه لا يجب إلا في مرة في العمر.

ومن فوائد الحديث: الإشارة في هذه الجملة إلى أركان الإسلام الخمسة { تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت }.

ومن فوائد الحديث: عرض المسألة على الطالب بالتشويق لقوله: { ألا أدلك على أبواب الخير ؟}.

ومن فوائد الحديث: أن للخير أبواباً وهذه الأبواب لها مداخل وهو يشبه قول الرسول : {الإيمان بضع وسبعون شعبة }.

ومن فوائد الحديث:
أن الصوم جنة، أي مانع للصائم من اللغو والرفث ومن قول الزور والعمل به والجهل، وهو أيضاً جنة للصائم من النار يقيه النار لقوله تعالى: { الصوم لي وأنا أجزي به}.

ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة لقوله : { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن صلاة الرجل في جوف الليل تطفئ الخطيئة لقول النبي : {والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل }.

ومن فوائد الحديث: أن النبي يستدل بالقرآن لأنه تلى قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ [السجدة:17،16].

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي يعرض المسائل بصيغة الاستفهام لتنبيه المخاطب كما مر في هذا الحديث.

ومن فوائد هذا الحديث: { أن الأمر } أي شأن الخلق له رأس وله عمود وله ذروة سنام {فرأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة } يعني عمود الإسلام الصلاة، { وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن تارك الصلاة كافر لقوله : { وعموده }أي عمود الإسلام { الصلاة} ومعلوم أن العمود إذا سقط سقط البنيان وهذا القول الراجح من أقوال أهل العلم بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة وقد بينا ذلك في رسالة لنا في هذا الأمر.

ومن فوائد هذا الحديث:
أن الجهاد في سبيل الله فيه علو الإسلام ورفعته لقوله: { ذروة سنامه الجهاد }.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الذي يملك هذا كله هو حفظ اللسان لقوله : { ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟} فقلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلساني وقال: { كف عليك هذا }.

ومن فوائد هذا الحديث:
جواز التعليم بالإشارة، لأنه أخذ بلسان نفسه وقال: { كف عليك هذا }.

ومن فوائد هذا الحديث: خطر اللسان على الإنسان لقوله : { ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم } أو قال: { على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! }.

ومن فوائد هذا الحديث: تحري ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله حيث قال: { على وجوههم أو على مناخرهم }، وهذا يدل على الأمانة التامة في نقل الحديث، والحمد لله.

الحديث الثلاثون
الحديث الثلاثون: الوقوف عند حدود الشرع
نص الحديث
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه، عن رسول الله ، قال:
{ إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها }.
[حديث حسن، رواه الدارقطني في سننه:4/ 184، وغيره].

شرح الحديث
قوله : { إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها }
أي: أوجب إيجاباً حتمياً على عباده فرائض معلومة ولله الحمد كالصلوات الخمس والزكاة والصيام والحج وبر الوالدين وصلة الأرحام وغيرذلك.
{ فلا تضيعوها } أي: لا تهملوها إما بالترك أو بالتهاون أو ببخسها أو نقصها.
{ وحد حدوداً } أي: أوجب واجبات وحددها بشروط وقيود.
{ فلا تعتدوها } أي: لا تتجاوزوها.

{ وحرم أشياء فلا تنتهكوها } حرم أشياء مثل الشرك وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق والخمر والسرقة وأشياء كثيرة.
{ فلا تنتهكوها } أي: فلا تقعوا فيها، فإن وقوعكم فيها انتهاك لها.
{ وسكت عن أشياء } أي: أي لم يفرضها ولم يوجبها ولم يحرمها.
{ رحمةً بكم } من أجل الرحمة والتخفيف عليكم.
{ غير نسيان } فإن الله تعالى لا ينسى كما قال موسى عليه الصلاة والسلام: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى[طه:52] فهو تركها جل وعلا رحمةً بالخلق، وليس نسيان لها.
{ فلاتسألوا عنها } أي: لا تبحثوا عنها.

فوائد هذا الحديث:
حسن بيان الرسول ، حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم واليقين، والفرائض قال أهل العلم: أنها تنقسم إلى قسمين: فرض كفاية، وفرض عين. فأما فرض الكفاية: فإنه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله، وحكمه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وفرض العين هو: ما قصد به الفعل والفاعل ووجب على كل أحد بعينه.

فأما الأول: فمثله الآذان والإقامة وصلاة الجنازة وغيرها.
وأما الثاني: فمثل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج.
وقوله: { وحد حدوداً } أي: أوجب واجبات محددة ومعينة بشروطها.

فيستفاد من هذا الحديث:
أنه لا يجوز للانسان أن يتعدى حدود الله، ويتفرع من هذه الفائدة أنه لا يجوز المغالاة في دين الله، ولهذا أنكر النبي على الذين قال أحدهم: ( أنا أصوم ولا أفطر )، وقال الثاني: ( أنا أقوم ولا أنام )، وقال الثالث: ( أنا لا أتزوج النساء ) أنكر عليهم وقال: { وأما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني }.

ومن فوائد الحديث:
تحريم انتهاك المحرمات لقوله: { فلا تنتهكوها } ثم إن المحرمات نوعان كبائر وصغائر:
فالكبائر: لا تغفر إلا بالتوبة، والصغائر: تكفرها الصلاة والحج والذكر وما أشبه ذلك

ومن فوائد الحديث:
أن ما سكت الله عنه فهو عفو، فإذا أشكل علينا حكم الشي هل هو واجب أم ليس بواجب ولم نجد له أصلاً في الوجوب؛ فهو مما عفا الله عنه، وإذا شككنا هل هذا حرام أم ليس حراماً وهو ليس أصله التحريم؛ كان هذا أيضاً مما عفا الله عنه.

ومن فوائد الحديث:
إنتفاء النسيان عن الله عز وجل، وهذا يدل على كمال علمه وأن الله عز وجل بكل شئ عليم فلا ينسى ما علم ولم يسبق علمه جهلاً، بل هو بكل شئ عليم أزلاً وأبداً.

ومن فوائد الحديث:
أنه لا ينبغي في البحث والسؤال إلا ما دعت إليه الحاجة، وهذا في عهد النبي ؛ لأنه عهد التشريع ويخشى أن أحداً يسأل عن شئ لم يجب فيوجبه من أجل مسألته أو لم يحرم فيحرم من أجل مسألته ولهذا نهى النبي عن البحث عنها فقال: { فلا تبحثوا عنها }.

الحديث الحادي والثلاثون
الحديث الحادي والثلاثون: الزهد في الدنيا
نص الحديث
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي ،
فقال: ( يا رسول الله ! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس )؛
فقال: { ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس }.
[حديث حسن، رواه ابن ماجه:4102، وغيره بأسانيد حسنه].

شرح الحديث
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي ولم يبين اسم الرجل؛ لأنه ليس هناك ضرورة إلى معرفته إذ أن المقصود معرفة الحكم ومعرفة القضية فقال: ( يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس ) وهذا الطلب لا شك أنه مطلب عالي يطلب فيه السائل ما يجلب محبة الله له وما يجلب محبة الناس له، فقال له النبي : { ازهد في الدنيا} يعني: اترك في الدنيا ما لا ينفعك في الآخرة وهذا يتضمن أنه يرغب في
الآخرة؛ لأن الدنيا والآخرة ضرتان إذا زهد في إحداهما فهو راغب في الأخرى بل هذا يتضمن أن الإنسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر وترك النواهي ويدع ما لا ينفعه في الآخرة من الأمور التي تضيع وقته ولا ينتفع بها. أما ما يكون سبباً لمحبة الناس فقال: { ازهد فيما عند الناس يحبك الناس } فلا يطلب من الناس شيئاً ولا يتشوق إليه ولا يستشرف له ويكون أبعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس؛ لأن الناس إذا سئل الإنسان ما في أيديهم استثقلوه وكرهوه، وإذا كان بعيداً عن ذلك فإنهم يحبونه.

من فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة رضي الله عنهم على سؤال النبي فيما ينفعهم.

ومن فوائده: أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله وأن يحبه الناس ويكره أن يمقته الله ويمقته الناس فبين النبي ما يكون به ذلك.

ومن فوائد هذا الحديث: أن من زهد في الدنيا أحبه الله؛ لأن الزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة، وقد سبق معنى الزهد: وأنه ترك ما لاينفع في الآخرة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الزهد فيما عند الناس سبب في محبة الناس لك.

ومن فوائد هذا الحديث:
إن الطمع في الدنيا والتعلق بها سبب لبغض الله للعبد وإن الطمع فيما عند الناس والترقب له يوجب بغض الناس للإنسان، والزهد فيما في أيديهم هو أكبر أسباب محبتهم.

الحديث الثاني والثلاثون
الحديث الثاني والثلاثون: لاضرر ولا ضرار
نص الحديث
عن أبي سـعـيـد سعـد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله قال:{ لا ضرر ولا ضرار }
[حديث حسن، رواه ابن ماجه:2341،
والدارقطني:4/ 228، وغيرهـما مسنداً، ورواه مالك في (الموطأ):2/746، عـن عـمرو بن يحي عـن أبيه عـن النبي مرسلاً، فـأسـقـط أبا سعـيد، وله طرق يقوي بعـضها بعـضاً].

شرح الحديث
عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري أن رسول الله قال: { لا ضرر ولا ضرار }
ثم تكلم المؤلف رحمه الله على طرق هذاالحديث.
قوله: { لا ضرر } أي: أن الضرر منفي شرعاً، { ولا ضرار } أي: مضاره والفرق بينهما أن الضرر يحصل بلا قصد، والضرار يحصل بقصد فنفى النبي الأمرين، والضرار أشد من الضرر؛ لأن الضرار يحصل قصداً كما قلنا.
مثال ذلك: لو إنساناً له جار وهذا الجار يسقي شجرته فيتسرب الماء من الشجرة إلى بيت الجار لكن بلا قصد، وربما لم يعلم به فالواجب أن يزال هذا الضرر إذا علم به حتى لو قال صاحب الشجرة:
أنا ما أقصد المضارة، نقول له: وإن لم تقصد؛ لأن الضرر منفي شرعاً
أما الضرار فإن الجار يتعمد الإضرار بجاره فيتسرب الماء إلى بيته وما أشبه ذلك،
وكل هذا منفي شرعاً وقد أخذ العلماء من هذا الحديث مسائل كثيرة في باب الجوار وغيره، وما أحسن أن يراجع الإنسان عليها ما ذكره العلماء في باب الصلح وحكم الجوار

الحديث الثالث والثلاثون
الحديث الثالث والثلاثون: البيّنة على المُدَّعي
نص الحديث
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله ، قال: { لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لكن البيّنة على المُدَّعي واليمين على من أنكر }.
[حديث حسن، رواه البيهقي في السنن:10/ 252 وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين].

شرح الحديث
قوله: { لو يعطى الناس بدعواهم }
أي: بما يدّعونه على غيرهم، وليعلم أن إضافة الشيء على أوجه:

الأول: أن يضيف لنفسه شيئاً لغيره، مثل أن يقول: ( لفلان عليّ كذا ) فهذا إقرار.

والثاني: أن يضيف شيئاً لنفسه على غيره، مثل أن يقول: ( لي على فلان كذا وكذا ) فهذه دعوى.

فهذا الثالث: أن يضيف شيئاً لغيره على غيره، مثل أن يقول: ( لفلان على فلان كذا وكذا ) فهذه شهادة.

والحديث الآن في الدعوى فلو ادّعى شخص على آخر قال: ( أنا أطلب مائة درهم ) مثلاً فإنه لو قبلت دعواه لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، وكذلك لو قال لآخر: ( أنت قتلت أبي ) لكان ادعى دمه وهذا يعني أنها لا تقبل دعوى إلا ببينة.

ولهذا قال: { لكن البينة على المدعي } فإذا ادعى إنسان على آخر شيئاً قلنا: أحضر لنا البينة، والبينة كل ما بان به الحق سواء كانت شهوداً أو قرائن حسية أو غير ذلك.

{ واليمين على من أنكر } أي: من أنكر دعوى خصمه إذا لم يكن لخصمه بينة فإذا قال زيد لعمرو: (أنا أطلب مائة درهم ) قال عمرو: ( لا )، قلنا لزيد ائت ببينة، فإن لم يأتي بالبينة قلنا لعمرو: (احلف على نفي ما ادعاه )، فإذا حلف برئ.

وهذا الحديث فيه فوائد:
منها أن الشريعة الإسلامية حريصة على حفظ أموال الناس ودماءهم لقوله: { لو يعطى الناس بدعواهم لا ادعى رجال أموال قوم و دماءهم }.

ومن فوائد هذا الحديث:
أن المدعي إذا قام ببينة على دعواه حكم له بما ادعاه، لقوله عليه الصلاة والسلام: { لكن البيَّنة على المدعي } والبينة كل ما بين به الحق ويتضح كما اسلفنا في الشرح، وليست خاصة بالشاهدين أو الشاهد بل كل ما أبان الحق فهو بينة.

ومن فوائد الحديث: أن اليمين على من أنكر، أي: من أنكر دعوى المدعي.

ومن فوائده: أن لو أنكر المنكر وقال: ( لا أحلف ) فإنه يقضي عليه بالنكول ووجه ذلك أنه إذا أبى، يحلف فقد امتنع مما يجب عليه فيحكم عليه به.

الحديث الرابع والثلاثون
الحديث الرابع والثلاثون: تغيير المنكر فريضة
نص الحديث
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول:
{ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعـف الإيمان }.
[رواه مسلم:49].

شرح الحديث
قوله: { من رأى } من هذه شرطية وهي للعموم، قوله: { رأى } يحتمل أن يكون المراد رؤية البصر، أو أن المراد رؤية القلب، وهي العلم، والثاني أشمل وأعم، وقوله: { منكراً } المنكر هو: ما أنكره الشرع وما حرمه الله عز وجل ورسوله.

قوله: { فليغيره بيده } اللام هذه للأمر أي: يغير هذا المنكر بأن يحوله إلى معروف، إما بمنعه مطلقاً أي: بتحويله إلى شئ مباح { بيده } إن كان له قدرة اليد.

قوله: { فإن لم يستطع } أي: أن يغيره بيده.

{ فبلسانه } بأن يقول لفاعله: اتقي الله، اتركه، وما أشبه ذلك.

{ فإن لم يستطع } باللسان بأن خاف على نفسه أو كان أخرس لا يستطيع الكلام.

{ فبقلبه } أي: يغيره بقلبه وذلك بكراهته إياه.

وقال: { وذلك أضعف الإيمان } أي: أن كونه لا يستطيع أن يغيره إلا بقلبه هو أضعف الإيمان.

ففي هذا الحديث فوائد:
وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات والمراتب باليد أولاً وهذا لا يكون إلا للسلطان، وإن لم يستطع فبلسانه، وهذا يكون لدعاة الخير الذين يبينون للناس المنكرات.

ومن فوائده: أن من لا يستطيع لا بيده ولا بلسانه فليغيره بقلبه.

ومن فوائد هذا الحديث:
تيسير الشرع وتسهيله حيث رتب هذه الواجبات على الاستطاعة لقوله: {فإن لم يستطع }.

ومن فوائد هذا الحديث:
أن الإيمان يتفاوت، بعضه ضعيف وبعضه قوي وهذا مذهب أهل السنة والجماعة وله أدلة من القرآن والسنة على أنه يتفاوت.

وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوه - أمر - تغيير.
فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد أو أماكن تجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه،

والآمربالمعروف والناهي عن المنكر: هو الذي يأمر الناس ويقول افعلوا، أو ينهاهم ويقول: لا تفعلوا.
والمغير: هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره و نهيه.

الحديث الخامس والثلاثون
الحديث الخامس والثلاثون: المسلم أخو المسلم
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا } ويشير إلى صدره ثلاث مرات { بحسب امرىء أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه }. [رواه مسلم:2564].

شرح الحديث
قوله: { لا تحاسدوا} هذا نهي عن الحسد، والحسد هو كراهية ما انعم الله على أخيك من نعمة
دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن، فمتى كرهت ما أعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد.
{ ولا تناجشوا} قال العلماء: المناجشه أن يزيد في السلعة، أي: في ثمنها في المناداة وهو
لا يريد شراءها وإنما يريد نفع البائع أو الإضرار بالمشتري.

{ ولا تباغضوا } البغضاء هي الكراهه، أي: لايكره بعضكم بعضاً.

{ ولا تدابروا } أن يولي كل واحد الآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه.

{ ولا يبع بعضكم على بيع بعض} يعني لا يبيع أحد على بيع أخيه، مثل أن يشتري إنسان سلعه بعشرة فيذهب آخر على المشتري ويقول: أنا أبيع عليك بأقل؛ لأن هذا يفضي إلى العداوة والبغضاء.

{ وكونوا عباد الله إخواناً } كونوا يا عباد الله إخواناً أي: مثل الإخوان في المودة والمحبة والألفة وعد الاعتداء ثم أكد هذه الاًخوة بقوله: { المسلم أخو المسلم } للجامع بينهما وهوالإسلام وهو أقوى صله تكون بين المسلمين.

{ لا يظلمه ] أي: لا يعتدي عليه.
{ ولا يخذله } في مقام أن ينتصر فيه.
{ ولا يكذبه } أي: يخبرهبحديث كذب.
{ ولا يحقره } أي: يستهين به.

{ التقوى ها هنا} يعني: تقوى الله تعالى محلها القلب فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح - و يشير إلى صدره ثلاث مرات - يعني: يقول: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا.

ثم قال: { بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم } بحسب يعني: حسب فالباء زائدة والحسب الكفاية والمعنى لو لم يكن من الشر إلا أن يحقر أخاه لكان هذا كافياً.

{ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } دمه فلا يجوز أن يعتدي عليه بقتل أو فيما دون ذلك.

{ وماله } لا يجوز أن يعتدي على ماله بنهب أو سرقه أو جحد أو غير ذلك.

{ وعرضه } أي: سمعته فلا يجوز أن يغتابه فيهتك بذلك عرضه.

فوائد الحديث:
النهي عن الحسد، والنهي للتحريم، والحسد له مضار كثيرة منها: أنه كره لقضاء الله وقدره، ومنها أنه عدوان على أخيه، ومنها أنه يوجب في قلب الحاسد حسره؛ كلما ازدادت النعم ازدادت هذه الحسرة فيتنكد على عيشه.

ومن الفوائد:
تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير وكونها سبباً للتباغض وأسبابه، فلا يجوز للإنسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سبباً يكون جالباً للبغض.

ومن فوائد الحديث:
تحريم التدابر، و هو أن يولي أخاه ظهره ولا يأخذ منه ولا يستمع إليه؛ لأن هذا ضد الأخوة الإيمانية.

ومن فوائده: تحريم البيع على البيع المسام ومثله الشراء على شرائه والخطبة على خطبته والإجارة على إجارته وغير ذلك من حقوقه.

ومنها: وجوب تنمية الأخوة الإيمانية لقوله: { وكونوا عباد الله إخوانا } ومنها بيان حال المسلم مع أخيه وأنه لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره؛ لأن هذا ينافي الأخوة الإيمانية.

ومن فوائده: أن محل التقوى هو القلب، فإذا اتقى القلب اتقت الجوارح وليعلم أن هذه الكلمة يقولها بعض الناس إذا عمل معصية وأنكر عليه قال: ( التقوى ها هنا !) وهي كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً وهذا جوابه أن نقول: لو كان هنا تقوى لاتقت الجوارح لأن النبي يقول: { ألا إن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله آلا وهى القلب }.

ومن فوائد هذا الحديث:
تكرار الكلمة المهمة لبيان الاعتناء بها وفهمها، قال: { التقوى ها هنا } وأ شار إلى صدره ثلاث مرات.

ومن فوائده: عظم احتقار المسلم، لقول النبي : { بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم } وذلك لما يترتب على احتقار المسلم من المفاسد.

ومن فوائد الحديث:
تحريم دم المسلم وماله وعرضه وهذا هو الأصل، لكن توجد أسباب تبيح ذلك؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ[الشورى:42]. وقال تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ[الشورى:41].

ومن فوائده:
أن الأمة الإسلامية لو اتجهت بهذه التوجيهات لنالت سعادة الدنيا والآخرة
لأنها كلها آداب عظيمة عالية راقية، تحصل بها المصالح وتنكف بها المفاسد

الحديث السادس والثلاثون:
الحديث السادس والثلاثون: قضاء حوائج المسلمين
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي قال: { من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلي الجنه، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينه، وغشيتهم الرحمه، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه }.
[رواه مسلم:2699] بهذا اللفظ.

شرح الحديث
قال النووي رحمه الله تعالى في الأربعين النووية الحديث السادس والثلاثون، عن أبى هريرة عن النبي قال: { من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} والكرب يعني: الشدة والضيق والضنك، والتنفيس معناه: إزالة الكربة ورفعها، وقوله: { من كرب الدنيا } يعم المالية والبدنية والأهلية والفردية والجماعية.

{ نفس الله عنه } أي: كشف الله عنه وأزال.
{ كربة من كرب يوم القيامة} ولا شك أن كرب يوم القيامة أعظم وأشد من كرب الدنيا، فإذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

{ ومن يسر على معسر } أي: سهل عليه وأزال عسرته.
{ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة } وهنا صار الجزاء في الدنيا والآخرة وفي الكربكربة من كرب يوم القيامة ؛ لان كرب يوم القيامة عظيمة جدا.

{ ومن ستر مسلماً } أي: ستر عيبه سواء أكان خلقيا أو خلقيا أودينيا أو دنيويا إذا ستره وغطاه حتى لا يتبن للناس.
{ ستره الله في الدنيا والآخرة } أي: حجب عيوبه عن الناس في الدنيا والآخرة.

ثم قال كلمة جامعه مانعة قال: { والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} أي: أن الله تعالى يعين الإنسان على قد معونته أخيه كما وكيفا وزمنا، فما دام الإنسان في عون أخيه فالله في عونه، وفي حديث آخر: { من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته }.

و قوله: { من سلك طريقا يلتمس فيع علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } يعني: من دخل طريقا وصار فيه يلتمس العلم والمراد به العلم الشرعي، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، لان الإنسان علم شريعة الله تيسر عليه سلوكها، ومعلوم أن الطريق الموصل إلى الله هو شريعته، فإذا تعلم الإنسان شريعة الله سهل الله له به طريقا إلى الجنة.

{ وما اجتمع قوم قي بيت من بيوت الله } المراد به المسجد فإن بيوت الله هي المساجد، قال الله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36]، وقال تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]، وقال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [البقرة:114] ... فأضاف المساجد إليه؛ لأنها موضع ذكره.

قوله: { يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم } يتلونه: يقرءونه ويتدارسونه أي: يدرس بعضهم على بعض.

{ إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة } نزلت عليهم السكينة يعني: في قلوبهم وهي الطمأنينة والاستقرار، وغشيتهم الرحمة: غطتهم وشملتهم.

{ وحفتهم الملائكة } صارت من حولهم. { وذكرهم الله فيمن عنده } أي: من الملائكة.

{ ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه } أي: من تأخر من أجل عمله السيئ فإن نسبه لا يغنيه ولا يرفعه ولا يقدمه والنسب هوالانتساب إلى قبيلة ونحو ذلك.

في هذا الحديث فوائد : الترغيب في تنفيس الكرب عن المؤمنين لقوله : { من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة }.

ومن فوائده: الإشارة الى يوم القيامة وأنها ذات كرب وقد بين ذلك الله تعالى في قوله:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عظيم * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2،1].

ومن فوائد هذا الحديث:
تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة ؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمينو يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد .
ومن فوائد الحديث:
الترغيب في التيسير على المعسرين لقوله : { من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخره} والتيسير على المعسر يكون بحسب عسرته؛ فالمدين مثلا الذي ليس عنده مالا يوفي به يكون التيسيرعليه إما بإنظاره ، و إما بإبرائه و إبراؤه أفضل من إنظاره ، و التيسير على من أصيب بنكبة أن يعان في هذه النكبة و يساعد و تهون عليه المصيبة و يعود بالأجر و الثوابوغير ذلك ، المهم أن التيسير يكون بحسب العسرة التي أصابت الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث:
الترغيب في سترالمسلم لقوله : { من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة} والمراد بالستر: هو إخفاء العيب، ولكن الستر لا يكون محمودا إلا إذا كان فيه مصلحة ولم يتضمن مفسده، فمثلا المجرم إذا أجرم لا نستر عليه إذا كان معروفا بالشر والفساد، ولكن الرجل الذي يكون مستقيما في ظاهره ثم فعل ما لا يحل فهنا قد يكون الستر مطلوبا؛ فالستر ينظر فيه إلى المصلحة، فالإنسان المعروف بالشر والفساد لا ينبغي ستره، والإنسان المستقيم في ظاهره ولكن جرى منه ما جرى هذا هو الذي يسن ستره.
ومن فوائد الحديث:
الحث على عون العبد المسلم وأن الله تعالى يعين المعين حسب إعانته لأخيه لقوله : { والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } وهذه الكلمة يرويها بعض الناس: ما دام العبد ولكن الصواب ما كان العبد في عون أخيه كما قال .
ومن فوائد الحديث:
الحث على طلب العلم لقوله : { من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة } وقد سبق في الشرح معنى الطريق وأنه قسمان حسي ومعنوي.
ومن فوائد الحديث:
فضيلة اجتماع الناس على قراءة القران لقوله: { وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله }.
ومن فوائد الحديث:
أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت الله أي: في مسجد من المساجد لينالوا بذلك شرف المكان لأن أفضل البقاع مساجدها.
ومن فوائد الحديث:
بيان حصول هذا الأجر العظيم تنزل عليهم السكينة وهي الطمأنينة القلبية وتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم وتحفهم الملائكة أي: تحيط بهم من كل جانب ويذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة لأنهم يذكرون الله تعالى عن ملأ، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: { من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم }.
من فوائد الحديث:
أن النسب لا ينفع إذا لم يكن العمل الصالح لقوله: { من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه }.
ومن فوائد الحديث:
أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنفسه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى.

الحديث السابع والثلاثون
الحديث السابع والثلاثون: الترغيب في فعل الحسنات
نص الحديث
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى، قال: { إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله تعالى عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده سيئة واحدة }.
[رواه البخاري:6491، ومسلم:131 في صحيحيهما بهذه الحروف].

شرح الحديث
الحديث السابع والثلاثون عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: { إن الله كتب الحسنات والسيئات } إذا عبر الصحابي بمثل هذا التعبير أي عن النبي فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فإنه يسمى عند أهل العلم حديثاً قدسياً.
وقوله: { إن الله كتب الحسنات والسيئات } أي: كتب ثوابهما وكتب فعلهما فهو الذي كتب الحسنات؛ لأن الله تعالى حين خلق القلم قال له: ( اكتب ) قال: رب، وماذا أكتب ؟ قال: ( اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ) فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، وظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة الثانية، وهي كتابة الثواب لقوله: { ثم بين ذلك } أي: وضحه بالتفصيل.
فقال: { فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كالمة } الهم يعني: الإرادة، أراد الإنسان أن يعمل حسنة ولكنه لم يعملها.
ففي هذا الحديث
فوائد: أن الله كتبها حسنة كاملة يعني: لا نقص فيها. وقد دلت الأدلة على أنه إذا هم بالحسنة فلم يعملها فإن كان عاجزاً عنها أي: تركها عجزاً بعد أن شرع فيها فإنه يكتب له الأجر كاملاً لقوله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ [النساء:100]. وأما إذا هم بها ثم عدل عنها لكسل أو نحوه فإنه كذلك كما في هذا الحديث يكتب له حسنة كاملة وذلك بنيته الطيبة، قال: { وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة } إذا هم بها وعملها وأحسن في عمله بأن كان مخلصاً متبعاً لرسول الله فإن الله يكتبها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهذه المضاعفة تأتي بحسب حسن العمل والإخلاص فيه وقد تكون فضلاً من الله سبحانه وتعالى وإحساناً.
قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261] وقال: { وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة } وإن هم بسيئة فلم يعملها فإنه يكتب له حسنة كاملة وذلك فيما تركه الله كما في بعض ألفاظ الحديث { لأنه تركها من جرائي } أي: من أجلي وقد دلت الأدلة على أن من هم بالسيئة فلم يعملها فإنه ينقسم إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول: أن يحاول فعلها ويسعى فيه ولكن لم يدركه لأن يكتب عليه وزر السيئة كاملة.
القسم الثاني: إن بها ثم يعزف عنها لا خوفا من الله ولكن لأن نفسه عزفت فهذا يكتب له ولا عليه.
القسم الثالث: أن يتركها لله عز وجل خوفاً منه وخشية فهذا كما جاء في هذا الحديث يكتبها الله حسنة كاملة.
قال: { وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة كاملة } ويشهد لهذا قوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [الانعام:160] وهذا الحكم بالنسبة للسيئة أي: أنها تكون سيئة واحدة في مكة وغيرها وفي كل زمن إلا في الأشهر الحرم ولكنها في مكة تكون أشد وأعظم لهذا قال الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25].
وقال العلماء: إن الحسنات والسيئات تضاعف في كل زمن فاضل وفي كل مكان فاضل ولا تضاعف بالعدد لقوله تعالى: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الانعام:160] ولهذا الحديث الذي ساقه المؤلف - رحمه الله - إن الله يكتبها سيئة واحدة. قال المؤلف: ( رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف ). أي: أن المؤلف - رحمه الله - ساقه بلفظه وأكد ذلك - رحمه الله - لما في الحديث من البشارة العظيمة والإحسان العظيم.

ومن فوائد الحديث:حديث عبد الله بن عباس عن رسول الله عن ربه يسمى عند أهل العلم حديثاً قدسياً.

ومن فوائده:أن الله سبحانه وتعالى كتب للحسنات جزاء وللسيئات جزاء، وهذا من تمام عدله وإحكامه جل وعلا للأمور.

ومن فوائد الحديث:أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأما السيئة فواحدة.
ومن فوائد هذا الحديث:الفرق بين الهم بالحسنة والهم بالسيئة فالحسنة إذا هم بها الإنسان ولم يعملها كتب الله عنه حسنة كاملة وهذا مما إذا تركها لغير عذر فإنه يكتب له الأجر كاملاً أجر النية وإذا كان من عادته أن يعملها ولكن تركها لعذرفإنه يكتب له الأجر كاملاً أجر النية والعمل؛ لحديث {من مرض أو سافر له ما كان يعمل صحيحاً قائماً }.
أما السيئة فالهمام بها إذا تركها لله عز وجل كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن تركها له ولا عليه، وإن تركها عجزاً عنها كتب له وزر الفاعل بالنية إلا إذا كان قد سعى فيها ولكن عجز بعد السعي فإنه يكتب له عقوبة السيئة كاملة لقول النبي : { إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار } قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: { لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه }
.

الحديث الثامن والثلاثون
الحديث الثامن والثلاثون: جزاء معادات الأولياء
نص الحديث
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتي أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر فيه، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعـطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه }.
[رواه البخاري:6502].

شرح الحديث
قوله: { إن الله تعالى قال: من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب} هذا الحديث حديث قدسي لأن النبي رواه عن ربه وكل حديث رواه النبي عن ربه يسمى عند العلماء حديثاً قدسياً. المعاداة ضد الموالاة، والولي ضد العدو وأولياؤه سبحانه وتعالى هم المؤمنون المتقون ودليله قوله تعالى:أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس62-63].

وقوله: { آذنته} يعني: أعلمته أي: إني أعلنت الحرب، فيكون من عادى ولياً من أولياء الله
فقد آذن الله تعالى بالحرب وصار حرباً لله، ثم ذكر تبارك وتعالى أسباب الولاية فقال: { وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه} يعني: ما عبدني أحد بشيء أحب إلى مما افترضته عليه لأن العبادة تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فمثلاً ركعتان من الفريضة أحب إلى الله من ركعتين نفلاً، ودرهم من زكاة، أحب إلى الله من درهم صدقة، حج فريضة أحب إلى الله من حج تطوع، صوم رمضان أحب إلى الله من صوم تطوع، وهلم جرى ولهذا جعل الله تعالى الفرائض لازمة في العبادة مما يدل على آكاديتها ومحبته لها.

{ ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل } يعني: الفرائض والفعل { لا يزال } يدل على الاستمرار يعني: ويستمر { عبدي يتقرب إليّ بالنوافل } يعني: بعد الفرائض حتى أحبه الله، { حتى} تحتمل هنا الغاية وتحتمل التعليل فعلى الأول يكون المعنى: أن تقربه إلى الله يوصله إلى محبة الله، وعلى الثاني يكون المعنى: لا يزال يتقرب إليّ بالنوافل ويكون هذا التقرب سبباً لمحبته والغاية واحدة.
{ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به} أي: سددته في كل ما يسمع فلا يسمع إلا ما فيه الخير له وليس المعنى أن الله يكون سمع الإنسان لأن سمع الإنسان صفه من صفاته أي: صفات الإنسان محدث بعد أن لم يكن، وهو صفة فيه أي: في الإنسان وكذلك يقال في {بصره الذي يبصر به } أي: أن الله فيما يرى إلا ما كان فيه خير ولا ينظر إلا إلى ما كان فيه خير.
{ ويده التي يبطش بها } يقال فيها ما سبق في السمع أي: أن الله تعالى يسدده في بطشه وعمله بيده فلا يعمل إلى ما فيه الخير.
{ ولئن سألني } أي: دعاني بشيء وطلب مني شيئا { لأعطينه }.

{ ولئن استعاذني لأعيذنه} فذكر السؤال الذي به حصول المطلوب، والاستعاذة التي بها النجاة من المهروب وأخبر أنه سبحانه وتعالى يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل يعطيه ما
سأل ويعيذه مما استعاذ.

من فوائد الحديث:وأعني الحديث الثامن والثلاثين فيه فوائد أولا: إثبات الولاية لله عز وجل أي: أن لله تعالى أولياء وهذا قد دل عليه القرآن الكريم قال الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63،62].

ومن فوائد الحديث: كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله بالحرب.

ومن فوائد هذا الحديث:أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب لأن الله جعل ذلك إيذانا بالحرب.

ومن فوائد الحديث:أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله: { وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه }.

ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى أن أوامر الله عز وجل نوعان: فرائض، نوافل.

ومن فوائد الحديث:إثبات المحبة لله عز وجل لقوله: { أحب إليّ مما افترضته عليه } والمحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل ومن ثمراتها الإحسان إلى المحبوب وثوابه وقربه من الله عز وجل.

ومن فوائد الحديث: أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها.

ومن فوائد الحديث:الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها يلزم من هذا أن الإيمان يزيد وينقص بحسب تفاضلها.

ومن فوائد الحديث:أن في محبة الله عز وجل تسديد العبد في سمعه وبصره ويده ورجله مؤيدا من الله عز وجل.

ومن فوائد هذا الحديث:أنه كلما ازداد الإنسان تقرباً إلى الله بالأعمال الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه واعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في الحديث: {ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه }.

الحديث التاسع والثلاثون
الحديث التاسع والثلاثون: التجاوز عن الخطأ والنسيان
نص الحديث
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله قال: { إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه }.
[حديث حسن رواه ابن ماجه:2045، والبيهقي في السنن:7/356، وغيرهما].

شرح الحديث
قوله: { تجاوز } بمعنى: عفا، { الخطأ } فعل الشيء عن غير قصد، { النسيان } ذهول القلب عن شيء معلوم، والاستكراه إلجاء الإنسان، وهذه ثلاثة أشياء بين فيها النبي أن الله تجاوز عن أمته هذه الأشياء الثلاثة وقد دل على ذلك القرآن قال الله تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[البقرة:286] فقال الله: ( قد فعلت )، وقال الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] وقال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106].

فيستفاد من هذا الحديث فوائد:
منها سعة رحمة الله عز وجل وأن رحمته سبقت غضبه، ومنها أن الإنسان إذا فعل الشيء خطأً فإنه لا يؤاخذ عليه ولكن إن كان محرماً فإنه لا يترتب عليه إثم ولا كفارة ولا فساد عبادة وقع فيها، وأما إن كان ترك واجب فإنه يرتفع عنه الإثم ولكن لا بد من تدارك الواجب.

ومن فوائد الحديث:
أن من أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا يؤاخذ به لقوله : { وما استكرهوا عليه} وهذا عام سواء كان الإكراه على فعل أو على قول ولا دليل لمن فرق بين الإكراه على الفعل والإكراه على القول، ولكن إذا كان الإكراه في حق آدمي فإنه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية مثل: أن يكره شخصاً على قتل شخص آخر فإنه يقتل المكره لأن الإكراه لا يبيح قتل الغير ولا يمكن ولا يجوز للإنسان أن يستبقي حياته بإتلاف غيره.

الحديث الأربعون
الحديث الأربعون: كن في الدنيا كأنك غريب
نص الحديث
عـن ابـن عـمـر رضي الله عـنهـما، قــال: أخـذ الرسول صلي الله عـلية وسلم بمنكبي، فقال:{ كن في الدنيا كـأنـك غـريـب أو عـابـر سبـيـل }.
وكـان ابـن عـمـر رضي الله عـنهـما يقول: ( إذا أمسيت فلا تـنـتـظـر الصباح، وإذا أصبحت فلاتـنـتـظـر المساء، وخذ من صحـتـك لـمـرضـك، ومن حـياتـك لـمـوتـك ).
[رواه البخاري:6416].

شرح الحديث
الحديث الأربعون عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أخذ رسول الله بمنكبي ) يعني: أمسك بهما لأجل أن يسترعي انتباهه ليحفظ ما يقول فقال له: { كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل }
الغريب: المقيم في البلد وليس من أهلها، أو عابر سبيل: هو الذي مر بالبلد،
وهو ماشي مسافر، ومثل هؤلاء - أعني الغريب أو عابر سبيل - لا يتخذ هذا البلد موطناً ومستقراً، لأنه مسافر فأخذت هذه الموعظة من عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ما أخذت من قلبه ولهذا كان يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ) يعني إذا أمسيت فلا تقول: سوف أبقى إلى الصباح، كم من إنسان أمسى ولم يصبح، وكذلك قوله: ( وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ) فكم من إنسان أصبح ولم يمسي ومراد بن عمر في ذلك: أن ينتهز الإنسان الفرصة للعمل الصالح حتى لا تضيع عليه الدنيا وهو لا يشعر.

قال: ( وخذ من صحتك لمرضك) يعني: بادر في الصحة قبل المرض فإن الإنسان ما دام صحيحاً يسهل عليه العمل، لأنه صحيح منشرح الصدر منبسط النفس، والمريض يضيق صدره ولا تنبسط نفسه فلا يسهل عليه العمل.

قال: ( ومن حياتك لموتك )
أي انتهز الحياة ما دمت حياً قبل أن تموت لأن الإنسان إذا مات انقطع عمله
صح ذك عن النبي حيث قال: { إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له }.

ومن فوائد هذا الحديث:
أنه ينبغي للإنسان أن يجعل الدنيا مقر إقامه لقوله:
{ كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل }.
ومن وفوائده:
أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله، ومنها أنه ينبغي للمعلم أن يفعل الأسباب التي يكون فيها انتباه المخاطب لأن النبي أخذ بمنكبي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. ومن وفوائد الحديث: فضيلة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثر بهذه الموعظة من رسول الله .

الحديث الحادي والأربعون

الحديث الحادي والأربعون: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
نص الحديث
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: { لا يؤمن أحدكم حتي يكون هواه تبعاً لما جئت به }.
[حديث حسن صحيح. رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح].

شرح الحديث
قوله: { لا يؤمن } أي لايؤمن الإيمان الكامل، وليس المراد نفي الإيمان بالكلية.
وقوله: { حتى يكون هواه } أي: ميله وإرادته.
وقوله: { تبعاً لما جئت به } أي: لما جاء به من الشرع فلا يلتفت إلى غيره.
قال المؤلف: ( حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح ).
في الحديث فوائد منها:
أن الإيمان قد ينفى عن من قصر في بعض واجبه فقوله: { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به } وهذا موقوف على ما ورد به الشرع، فليس للإنسان أن ينفي الإيمان عن الشخص بمجرد أنه رآه على معصية حتى يثبت بذلك دليل شرعي.
ومن فوائد هذا الحديث:
وجوب الانقياد لما جاء به النبي .
ومن فوائده: أنه يجب تخلي الإنسان عن هواه المخالف لشريعة الله.
ومن فوائده: أنه الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.

الحديث الثاني والأربعون


الحديث الثاني والأربعون: سعة مغفرة الله
نص الحديث
عن أنس قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: { قال الله تعالى: يا ابن آدم ! إنك ما دعـوتـني ورجوتـني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم ! لو بلغـت ذنـوبك عـنان السماء، ثم استغـفـرتـني غـفـرت لك، يا ابن آدم ! إنك لو اتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتـني لا تـشـرك بي شيئاً لأتـيـتـك بقرابها مغـفـرة }.
[رواه الترمذي:3540، وقال: حديث حسن صحيح].

شرح الحديث
هذا الحديث من الأحاديث القدسية التي يرويها النبي عن ربه أنه قال جل وعلا: { يا بن آدم } الخطاب لجميع بني آدم، { إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك }، { ما } شرطية يعني: متى دعوتني ورجوتني. { دعوتني } أي: سألتني أن أغفر لك. { رجوتني } رجوت مغفرتي ولم تيأس، {غفرت لك } هذا جواب الشرط والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه أي: أن الله يستر ذنبك عن الناس ويتجاوز عنك فلا يعاقبك. وقوله: { على ما كان منك ولا أبالي } يعني على ما كان منك من المعاصي وهذا يشهد له قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

{ يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء } يعني: لو بلغت أعلى السماء، { ثم استغفرتني غفرت لك} يعني: مهما عظمت الذنوب حتى لو وصلت السماء بكثرتها ثم استغفرت الله بصدق وإخلاص وافتقار غفر الله لك.

{ يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة } قرابها يعني قرب ملئها إذا لقي الإنسان ربه عزوجل بقراب الأرض أي: ملئها أو قربها خطايا لكنها دون الشرك ولهذا قال: { ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة } وهذا يدل على فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب.

في هذا الحديث من الفوائد:
أن الإنسان مهما دعا الله بأي شيء ورجا الله في أي شيء إلا غفر له.

ومن فوائده: بيان سعة فضل الله عزوجل .

ومن وفوائده: أن الذنوب وإن عظمت إذا استغفرالإنسان ربه منها غفرها الله له .

ومن فوائد هذا الحديث:
فضيلة الإخلاص وأنه سبب لمغفرة الذنوب وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق