| ||||||
مع مجيء حكومة الانقلاب العسكري في مصر، تم الترويج لها بأنها تتمتع
بوجود مجموعة من الخبراء المحنكين اقتصاديًا، وأن رئيس الحكومة حازم الببلاوي يأتي
من خلفية اقتصادية تجمع الخبرة الأكاديمية والممارسة العملية.
ولكن بعد مرور أكثر من شهرين على مجيء هذه الحكومة لوحظ أنها تسير على
نفس السياسات الاقتصادية التي كانت متبعة من قبل حكومة هشام قنديل ورئاسة محمد
مرسي، وهو ما يجعلنا نتساءل: علام كان الانقلاب؟ وأين هي الرؤية التي تملكها حكومة
الخبراء الاقتصاديين؟
سمات
سلبيةاتسم أداء حكومة الانقلاب العسكري في مصر اقتصاديا
بمجموعة من السمات السلبية التي أثرت على حياة الناس بشكل مباشر نتيجة لممارساتها
القمعية والأمنية التي مورست على مدار الفترة الماضية، وكان من أهم السمات السلبية
اقتصاديا لحكومة الانقلاب ما يلي:
ظلت مصر على مدار العقود الأربعة الماضية تحلم بجذب الاستثمارات
الأجنبية المباشرة، وكان الفساد هو السمة الرئيسية للاستثمار في مصر قبل ثورة 25
يناير/كانون الثاني 2011، وتفاءل الكثيرون بمن فيهم المستثمرون الأجانب بثورة 25
يناير على أمل أن يزاح الفساد ورموزه لتبدأ فترة من الشفافية والنزاهة في مصر تفتح
الباب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وقد استقبلت حكومة هشام قنديل في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي الكثير
من الوفود الأجنبية للتباحث بشأن إنشاء مشروعات جديدة في مصر، حتى إن وفد رجال
الأعمال الأميركي الذي زار مصر إبان زيارة الرئيس مرسي للصين، كان الأكبر في تاريخ
العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. هذا بخلاف الوفود المختلفة من الصين
وكوريا الجنوبية وتركيا.
لكن ما حدث بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 جعل كل هذه الجهات
تعيد حساباتها، ويكفي المستثمرين الأجانب أن يصدر عن رئيس صندوق النقد الدولي بأن
الصندوق ليس على استعداد للتعامل مع حكومة انتقالية في مصر، ناهيك عما اتخذ من
قرارات بعودة الكثير من المسؤولين والوزراء الذين تحوم حولهم العديد من شبهات
الفساد، وهو ما يفقد مناخ الاستثمار أية أمل في تحقيق الشفافية والنزاهة اللازمين
لوجود واستقرار الاستثمارات الأجنبية، فضلا عن الاستثمارات المحلية.
موجة من التضخم الجامع تجتاح السوق المصري، وهو ما جعل فئة جديدة من
الشعب المصري تنضم إلى فعاليات التحالف الوطني الداعم لعودة الشرعية، وهذه الفئة هي
التي اكتوت بنيران الأسعار، فالبطاطس -التي تعد سلعة رئيسية في سلة غذاء الأسرة
المصرية- أصبح سعر الكيلوغرام منها نحو سبعة جنيهات مصرية (دولار واحد تقريبا)،
والتي كان سعرها في أقصى التقديرات لا يزيد عن جنيهين أو ثلاثة على الأكثر فيما
مضى، وغير ذلك من السلع. كما أن وسائل النقل تُركت أسعارها حسب أهواء السائقين، ولا
يوجد أي دور رقابي للحكومة لضبط الأسعار بالأسواق.
ويرصد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء معدلات التضخم في الشهر
الأول للانقلاب (يوليو/تموز 2013) ليعلن أن معدل التضخم قد زاد بمعدل 11.5% مقارنة
بيوليو/تموز 2012 الشهر الأول لتولي الرئيس مرسي السلطة في مصر. وعند مقارنة معدلات
التضخم في مصر بعد الانقلاب بما كان عليه الوضع في عهد الرئيس محمد مرسي، نجد أنها
الضعف، فمعدل التضخم في المتوسط خلال عام 2012-2013 كان بحدود 7.5%.
تتواصل عمليات إلغاء رحلات السياحة الوافدة من أوروبا التي تمثل نسبة
70% من نشاط السياحة بمصر، ولا تزال الممارسات الأمنية التي تتسم بالعنف تمثل أكبر
تحد للسياحة المصرية، حيث بلغت نسب الإشغال بالفنادق ما بين 10% و20%. وفي محاولات
يائسة تروج وزارة السياحة المصرية في الدول الأوروبية برنامج "ليال مصرية" لاستعادة
معدلات السياحة خلال موسم الشتاء القادم. ولكن شركات السياحة في ألمانيا وإيطاليا
-مثلا- ألغت رحلاتها لمصر حتى نهاية العام، وطلبت من عملائها تحويل رحلاتهم لبلدان
أخرى.
الانقلابيون وإنجازات
مرسيمن عجب أن نجد وسائل الإعلام قد تخلت عن حياديتها وتحاول
توظيف ما ينشر من مؤسسات الدولة عن نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي في عهد مرسي
لصالح حكومة الانقلاب العسكري، وقد حدث هذا فيما يتعلق بمعدلات السياحة، والصادرات،
وإعفاء الفلاحين المتعثرين من ديونهم، أو تفعيل منظومة البطاقات الذكية في ترشيد
دعم الطاقة، وغير ذلك، وفيما يلي نتناول هذه النماذج ومغالطات حكومة الانقلاب
والإعلام في مصر:
نشرت صحيفتا المصري اليوم والوطن وغيرهما من الصحف المصرية يومي 19 و20
أغسطس/آب الماضي أن معدلات السياحة في يونيو/حزيران 2013 زادت بنسبة 16.5% مقارنة
بالشهر نفسه من 2012، وقد نقلت الصحف المصرية هذه الإحصاءات عن الجهاز المركزي
للتعبئة العامة والإحصاء، دون أن تذكر أن هذه الزيادة قد تحققت في آخر شهر لولاية
الرئيس المعزول محمد مرسي.
والجدير بالذكر أن السياحة المصرية ظلت طوال العام الذي تولى فيها
السلطة الرئيس مرسي تحقق نتائج إيجابية، على الرغم من الحرب التي كانت تخوضها ضده
وسائل الإعلام المعارضة له بشكل خاص وللتيار الإسلامي بشمل عام من ادعاءات بمنع
السياحة والتدخل في الحياة الشخصية للسياح. ونحسب أن المعالجة الصحفية الصحيحة كانت
تقتضي الإشارة إلى أن ما تحقق من نتائج إيجابية للسياحة المصرية في يونيو/حزيران
2013 يتعلق بفترة ولاية الرئيس مرسي.
نشرت جريدة المصري اليوم يوم 21 يوليو/تموز الماضي نقلا عن وزير التجارة
والصناعة أن الصادرات المصرية غير البترولية قد زادت في يونيو/حزيران 2013 بنحو 21%
مقارنة بالشهر نفسه من العام 2012، وأن الصادرات زادت خلال الشهور الستة الأولى في
عام 2013 بنحو 17% مقارنة بنفس الفترة من عام 2012، وهي نفس المواد المنشورة بجريدة
الأهرام يوم 15 أغسطس/آب الماضي نقلا عن تقرير صادر عن وزارة التجارة والصناعة. ولم
تذكر هذه المصادر الصحفية ولا السيد وزير التجارة والصناعة منير فخري عبد النور أية
تلميحات عن أن هذه الإنجازات تحققت في عهد مرسي.
وعد الرئيس مرسي خلال حملته الانتخابية بإعفاء الفلاحين المتعثرين من
ديونهم، وهو ما دخل حيز التنفيذ عقب توليه السلطة، وتم الإعلان عن إعفاء 45 ألف
فلاح من المتعثرين الذين لا يزيد دينهم عن عشرة آلاف جنيه مصري لبنك التنمية
والائتمان الزراعي.
إلا أننا نفاجأ بتصريح لوزير مالية الانقلاب أحمد جلال عبر بيان إعلامي
صادر عن وزارته -البيان منشور على موقع وزارة المالية المصرية- جاء فيه أن "الخزانة
العامة ستتحمل 53.5 مليون جنيه العام المالي الحالي لاستكمال ملف المتعثرين بجانب
9.7 ملايين جنيه لتنفيذ قرار مجلس الوزراء يوم 15 مايو/أيار الماضي لإعفاء 689 سيدة
من قرية نصر النوبة حصلن على قروض من بنك التنمية والائتمان الزراعي وتعثرن في
السداد، وهو ما يرفع إجمالي المبلغ الذي تحملته الخزانة العامة في ملف التعثر على
مدى العامين الماليين الحالي والماضي لنحو 176.1 مليون جنيه".
وألفت نظر القارئ الكريم إلى أن موازنة العام المالي الحالي قد أقرها
مجلس الشورى قبل 30 يونيو/حزيران ومجيء الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز،
كما أن قرار رئيس الوزراء بإعفاء فقيرات النوبة صدر في مايو/أيار الماضي أثناء تولي
هشام قنديل رئاسة الوزراء ووجود الرئيس مرسي في السلطة.
فور إعلان حكومة هشام قنديل عن تبنيها إنشاء منظومة البطاقات الذكية
لترشيد دعم الطاقة، قامت الدنيا ولم تقعد وسط اتهامات بتنفيذ أجندة صندوق النقد
الدولي، أو رفع أسعار الوقود، وغير ذلك من الاتهامات.
ولكن حينما يعلن وزير مالية الانقلاب عبر بيان صحفي منشور على موقع
وزارته بتاريخ 11 أغسطس/آب الماضي أن المشروع القومي لميكنة عمليات توزيع السولار
والبنزين يكتسب أهمية كبيرة في المرحلة الراهنة مما يتطلب متابعة مستمرة لخطواته
التنفيذية والبناء على نجاح مرحلته الأولى التي انتهت الشهر الماضي بميكنة عمليات
التداول بين مستودعات البترول ومحطات الوقود على مستوى الجمهورية، لا نجد أية إشارة
إلى أن هذا الإنجاز تحقق في عهد الرئيس مرسي، وأن تفعيل المرحلة الأولى من المشروع
تم من خلال حكومة قنديل في نهاية يونيو/حزيران 2013.
لا نستطيع القول إن عهد الرئيس المعزول مرسي قد أنهى جميع المشكلات
الاقتصادية لمصر، أو أنه حقق المعجزات، ولكن ثبت أنه كانت هناك رؤية اقتصادية تعتمد
على تحقيق التنمية الذاتية واتخاذ خطوات على طريق العدالة الاجتماعية.
ولكن بقي أن نشير إلى أن مسلسل ظلم الرئيس مرسي مستمر عبر حديث إعلام
وحكومة الانقلاب عن إنجازات تحققت في عهده دون الإشارة إلى ذلك، بما يوحي للقارئ أن
هذه الإنجازات وراءها حكومة الانقلاب العسكري.
وإذا كان الإعلام اتخذ صورة لا تتسم بالحيادية، فإن البحث العلمي النزيه
جدير بأن يُثبت ولو بعد حين أن إنجازات اقتصادية تحققت في عهد مرسي، وأن الانقلاب
كان مقصودا لذاته بغض النظر عن معايير الإنجاز أو الإخفاق في عهد الرئيس المعزول
محمد مرسي.
المصدر :
الجزيرة
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق